الخميس، 1 يناير 2015

سورة البقرة من آية 130 إلى آية 136


(وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدْ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ (130))
ومن يرغب عن: من ينأى ، ملة إبراهيم : الملة هي الطريقة التي يتبعها أحد في أمر ما وهي كلمة مخصصة في الدين، إلا من سفه نفسه: السفاهة هي عدم قدرة الإنسان على الإدارة ، وهنا تقول الآية "سفه نفسه" وكأنه هو الذي وضع نفسه في موضوع عدم القدرة على إدارة نفسه في الدين اعتراف الإنسان بنفسه. "ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة من لمن الصالحين": اختار الله سبحانه وتعالى نبي الله إبراهيم في الدين.

الآية تتحدث مع من يعرف إبراهيم ويؤمن بملته وجاءت بعد الآيات التي تتحدث عن اليهود والنصارى فهي تحاججهم في أصل الملة وضرورة الرجوع إليها، والآية تصف من يرغب عن ملة إبراهيم من هذه الفئات التي تعلم أصل الدين بالسفه، وكأنها تشير إلى أن أمر إبراهيم أمر واضح فلا يبتعد عنه إلا السفيه.لأن إبراهيم له ابنان هما إسحاق وإسماعيل ، ولقد سلم إبراهيم الخليل هذا الدين الإسلامي لأبناءه، فكيف يكون من أولاده أن يؤسسوا لدينين مختلفين، فهذا سفه.إن إبراهيم هو أب للجميع فكيف يفترق أبناءه، والآية تقول باختصار :إذا لم نعرف ملة إبراهيم فنحن سفهاء ونتبعها ونحن نقول أننا من إبراهيم فنحن سفهاء.

من الملاحظ أن أي من الأمم الثلاث التي تعترف بنبي الله إبراهيم لم تقدسه ، وظل علامة فارقة للدين كما أراد الله سبحانه وتعالى لمن أراد أن يعرف الحقيقة، وفي وجود مقام إبراهيم في البيت علامة واضحة ومهمة في أمر الدين فإمامة إبراهيم ظلت حتى بعد موته كرمزية أراد الله بها معرفة الدين لأن ابراهيم خليل الله.

(إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131))
"إذ قال له ربه أسلم" : هو ما أمر الله به ، والإسلام هو استسلام تام وتنازل كامل لما يريده الله سبحانه وتعالى. قال أسلمت لرب العالمين : الإسلام هو تنفيذ الشريعة.
هذه الكلمة هي بداية اسم المسلمين.

(وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132))
" ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب"
وصى إبراهيم بنيه بالملة ووصاهم على الإستسلام لله في تنفيذ التعاليم الواردة فيها وعدم تغييرها، ونبي الله يعقوب وصى بنيه أيضاً بذلك، نبي الله إبراهيم علامة مهمة لبني إسرائيل،  ويعقوب كذلك،  ولهذه الوصية أهمية في موضوع الدين، وعليها يؤسس في التفريق بين الحق والباطل.
" يابني إن الله اصطفى لكم الدين"
تعطي حقيقة العهد الرباني مع نبي الله إبراهيم في إمامة الدين وجعلها في ذريته والتي أشارت إليها آية الابتلاء بالكلمات، وهي وصية لأبناء العهد بان يحفظوه ويلتزموا به ويستسلموا له، فالناس ستأخذ منهم فيما بعد لأنهم مصدر التشريع والحقائق الربانية.
"فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون"
الإيمان بالكتاب بداية والاسلام له غاية، وإمامنا إبراهيم يوصي أبناءه بالإسلام وأن لا تنتهي حياة أحدهم دون أن يصل إلى هذه الغاية، وهي الطاعة والوصول إلى تمثل القيم الربانية المنصوصة في الملة في سلام ودون مقاومة لهوى أو شهوات.

 وفي الآية إشارة إلى أن يعقوب وهو ابن إسحاق وجد في حياة إبراهيم لأن الآية تقول وصى بنيه وليس ابنيه. "إن الله اصطفى لكم الدين"  أي أن الله أنزل هذا الدين إليكم واصطفاكم بهذا الهدى من بين البشر، فشكر هذه النعمة واجبة بالإستسلام للتعاليم "فلا تموتمن إلا وانتم مسلمون".وهذه الوصية التي وصى إبراهيم بنيه، هي أيضاً وصية يحملها كل مؤمن لبنيه ايضاً في الالتزام بتعاليم الله في كتبه السماوية.

(أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133))
لازال الحديث لبني إسرائيل وهو حديث لأمم متدينة، ويقول لهم "أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت" : يا أهل الكتاب إن ما كان عليه نبي الله إبراهيم ومن بعده يعقوب إنما هو الإسلام ، والملة النقية. ويعقوب هو إسرائيل الذي يعود إليه المخاطبون، وهذا هو الحجة عليهم لأن الحديث قبل نزول التوراة ويعقوب يقول لبنيه كونوا مسلمين.
والآية تناقش مشكلة ظهور دين جديد بمسمى جديد، هو اليهودية والنصارنية، وهذه الأديان ليست دين عند الله، والآيات تناقش بطلان هذه الأديان بدأً من الإسم، فالدين عند الله اسمه الدين الإسلامي، فمن الذي سمى هذه الأسماء التي لم يسمها الله، لماذا سميتم أسماء بأسماء مختلفة؟
فهنا يلغي أصل الأسم من أصل الحديث عن إبراهيم وعن يعقوب لتكتمل الحجة، ويبين أنه سبحانه وتعالى قال لإبراهيم: أسلم، فقال: أسلمت لرب العالمين، ومن هنا نشأت كلمة مسلمين، وبعدها يقول إبراهيم لأبناءه كونوا مسلمين.  لقد خلف نبي الله إبراهيم ولدين ووصاهم بالدين الإسلامي، فكيف يختلف أولاده من بعده، واحد يهودي و واحد نصاراني.
كما وصى بهذا إبراهيم ويعقوب بنيه ، وهنا لدينا وصية من الله سبحانه وتعالى: يا بني من يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم، ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم ، وعندما نعتصم بشيء لا نأخذ من أحد غيره، هذه هي وصيتنا لأبناءنا.


(تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134))
الأمة : النهج أو  الشعب، والآية السابقة تتحدث عن ضرورة إهمال ما كان يفعل الآباء وضرورة الالتزام بالمنهج، لا تتمسك بما فعله الناس الذين تمسكوا بالملة ، ولكن التزموا بالمنهج الذي هو الملة نفسها، فالملة بينة واضحة.
إننا لن نسأل عما كان يعمله السابقون، وهذه قاعدة عامة فالدين ليس تقليد عمل ،ولكنه تعاليم تطبق حسب الطاقة وتبعاً لتغيير الزمن. وهذه الآية تحذرنا من  أن يتم التقليد في الدين، الدين أمر من عند الله يطبقه المؤمن بإحسان حسب طاقته وحسب الظروف الزمانية والمكانية ، فلربما يزيد المؤمن في عمله أو يقل عن الذين سبقوك حسب تلك الطاقة وذلك الزمان.

(وَقَالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (135)
على المؤمن أن لا يأمل في نجاته في الآخرة أو في هدايته على الانتماء للأمة، العلاقة مع الله لا تشخص أي لا تأخذ بصورة شخصية، فما ينجي الإنسان هو العمل وحسب.
والمشكلة التي تناقشها الآية هو أن كل أمة جعلت الهدى عندها، والإدعاء هو أن من يريد أن يهتدي عليه أن ينتمي لملة محددة هي اليهودية أو النصرانية، فردت الآية أن الهدى هو باتباع ملة إبراهيم.
فالإيمان هو قول والإسلام عمل، والإيمان بملة إبراهيم نطق والإسلام عمل بتلك الملة ، الآية التالية: لا نفرق بين ما أنزل الله على تلك الرسل، لا نفرق بين أحد، الآية تنزه إبراهيم عن الشرك، والذي هو ابتعاد عن الملة والتحزب، الشرك: أن تضيف شيء على الملة.

( قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136))
الآية تقول لا نفرق في الأشخاص، فهؤلاء الأنبياء جاءوا على ملة واحدة ولكن الناس فرقوا بينهم، والإيمان بالملة يعني أن تؤمن بأنهم على دين واحد وليسوا على ديانات مختلفة، والله يقول أن هذا هو هدى الله، وهو أن يؤمنوا بذلك كله على انه على دين واحد. والمقصود بالإنزال أو الإيتاء: هو إنزال الوحي أو إيتاء شيء من تلك العلوم الربانية، التي أعطيت لكل الرسل بدون تفريق بين أحد منهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق