(إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ
فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ
بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158))
تتابع هذه الآية مع الآيات السابقة التي تحدثت عن القبلة، وقد قال في آية سابقة "ولعلكم تهتدون"، وبعد الوصية بالصبر والصلاة يأتي الحديث عن الشرع.
الآية تتحدث عن التطوع بالتطوف بالصفا والمروة، والتطوع ليس له عدد محدد، فالآية تشير إلى أن هذا العمل ليس واجباً. وهنا فرق بين كلمتين هما : الشعائر وهي المكان، والمناسك وهي عمل للتقرب لله، وبتقرير هذه الشعيرة والنسك فيها والذي هو التطوف بهما هو تقرير من عند الله بمشروعية هذا العمل، لأن هناك مخاوف أن يكون في المسجد الحرام ما تم إدخاله في الدين وليس منه، وكلمة "لا جناح " ترفع الكلفة في حال كانت ليست من شعائرالله سيكون التطوف بهما فيه جناج، فهذا العمل وهو موروث من قبل الآباء ولكن الآية تقول أنه من أسس ملة إبراهيم وليس دخيلاً في الملة ولا يوجد إشكال فيه. أما بالنسبة للتطوف فهو يشير للحالة التعظيمية للشعائر، وبهذا المنحى نفهم أن من لم يتطوف بهما فلا جناح عليه.
(إِنَّ
الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ
مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ
وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ (159))
كتمان الحق هو عدم تبيانه للناس، وهذا الكتمان صدر من أناس لديهم الحق من أهل الكتاب في مواضيع الشرع عامة وفي موضوع الصفا والمروة خاصة، فهي أحد المواضيع المهمة التي تم كتمانها.
بيّن الكتاب ما اختلف الناس فيه والإصلاح يكون بعدم كتمان ما أنزل الله، وهذا يصدق على التوراة والإنجيل فيما تقصده الآية في زمن النبي فقد حرّفوا وكتموا ما أنزل الله من البينات. ومن بعد هذا التنزيل أيضاً لا يجوز الكتمان، ومن كتم منهم (أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون).
(إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا
وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
(160))
التوبة هي أن توقف ما عملت سابقاً، والتبيين هو إظهار ما كتمته كما توضح الآية السابقة.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ
لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161))
الآية السابقة تشير إلى أن هناك من كتم، وبعد ذلك جاءت هذه الآية لتقول أنها
مرحلة قابلة للتوبة وهي بالتوبة الإصلاح، والمرحلة التالية لتلك هي الكفر وهي تعني الذين كفروا من أهل الكتاب الذين علموا الحقيقة في القرآن الكريم بعد أن حجبها علماء بني إسرائيل ثم بينها الله في الكتاب، ثم ماتوا وهم كفار بهذه الحقيقة.
(خَالِدِينَ فِيهَا
لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنظَرُونَ (162))
الآية تصف اللعنة بالعذاب الشديد، فهي تقول خالدين فيها أي في اللعنة ولا يخفف عنهم العذاب.
(وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ
وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163))
الحديث كان عن التشريع واختصت الكلمة هنا بالإله لأنه المالك الذي له صلاحية التشريع، والألوهية مرتبة أعلى من الربوبية، والإله لا يكون إلا واحداً، وهو إله في الأرض وفي السماء، ولا يمكن أن يكون له شرعين، وهو الرحمن الرحيم، على الذين كتموا إذا هم بينوا والتزموا بشرعه وحده.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق