(آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7) وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (8) هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (9) وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (11))
جاء الأمر للمؤمنين بأن يؤمنوا بالله ورسوله، فما هو سر هذا الطلب على الرغم من أن الآيات تخاطب مؤمنين بالله ورسوله! السر يتضح في الأمر الذي حددته هذه الآيات، الأمر بالإنفاق، فهذا الأمر يكشف صدق الإيمان، ويبين حقيقته في النفوس، وبعد أن تقدمت السورة بتسبيح الله وإجلاء قدرته عز وجل وأنه مطلع بما في الصدور، جاء الأمر بالإيمان بالله والرسول والإنفاق فيما استخلفه الله في أيدي المؤمنين.
لماذا قرنت الآية في هذا الأمر بالإيمان بالله والرسول؟ لأن الذي يدعوهم للإنفاق لله هو الرسول، ولأنه هو الذي يأخذ منهم النفقات ليزكيهم ويطهرهم من حب الدنيا ويرفعهم إلى مراتب الإيمان. وعندما قالت الآية (8) (ومالكم لاتؤمنون بالله ) هي لا تخاطب المشركين ولا الكفار بالرسالة، ولكنها تخاطب المؤمنين أنفسهم، وتقول ما دمتم لا تنفقون كما يأمر الله فأنتم لا تؤمنون بالله حق الإيمان، فقوله سبحانه (مالكم لا تنفقون) هي بمثابة ( ما لكم لا تؤمنون)، لأن مقتضى عدم الإنفاق هو أنكم لا تؤمنون.
الآية (8) تقول أن الرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم، وممن أخذ الرسول الميثاق؟ من مؤمنين بدعوته ورسالته، ولكنه الآن يخاطبهم لنقلهم لمرحلة إيمانية هي أعلى من المرحلة السابقة، أعلى من مرحلة تأييد القول وتأييد دعوة القرآن، هي مرحلة التصديق بالعمل، وأول مراحل العمل هو الإنفاق، وتبين الآية (9) أن الله هو الذي ينزل عليه هذه الآيات البينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور، هو الذي من عليكم بهذه الهداية، هو الذي أنزل هذه الآيات، لأنه هو الذي تعلمون حقيقة قدره الذي ابتدأت السورة به.
ثم تعاود الآية (10) للحديث عن الأنفاق، لتؤكد للمؤمنين أن ما يقابل تأيدكم للحق الذي أنزله الله عليكم، وإيمانكم بالآيات التي أخرجتكم من الظلمات إلى النور هو أن تنفقوا، فما الذي يمنعكم من هذا الإنفاق في هذا الاتجاه وأنتم تعلمون أن لله ميراث السماوات والأرض، وهي صيغة أخرى لقوله في الآية السابقة ( مما جعلكم مستخلفين فيه) فالملك الحقيقي لما في أيديكم هو لله، والآن أنتم في امتحان إخراجه بإيمانكم لله وفي سبيله وتصديقًا لكلماته.
ثم تبين الآية الشريفة (10) أن إنفاقكم هذا هو تصديق للإيمان، ومن يؤمن قبل الفتح، ليس كما آمن بعد الفتح، والإيمان قبل الفتح هو تصديق بتحقق وعد الله الذي يعد به المؤمنين، وأصحاب هذا الإيمان هم أعلى درجة من الذين يؤمنون بعد الفتح، بعد أن يحقق الله نصره على أرض الواقع، ليتبين للجميع أن هذه الدعوة إنما هي مؤيدة من قبل الله وأن والنصر بيده سبحانه وتعالى. فمن يؤمن ويتصدق في هذه المرحلة (المستضعفين)، ويقاتل في سبيل الله لا يكون بنفس الذي ينفق ويقاتل في مرحلة النصر والغلبة والقوة، هؤلاء هم أعلى درجة من أولئك.
ثم تأتي الدعوة المركزية في هذه السورة المباركة وهي الدعوة لإقراض الله، والله سبحانه وتعالى يحث المؤمنين للإنفاق بصورة قرض، والقرض مردود لصاحبه، وهو بهذا المعنى يقول للمؤمن الذي سينفق الآن، حقك مضمون عندي، اقرض الله قرضًا حسنًا، وسيعود لك أضعاف مضاعفة، وله أجر كريم من قبل الله الكريم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق