الجمعة، 28 أغسطس 2015

سورة البقرة من آية 200 إلى آية 207

(فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ (200))
"فإذا قضيتم مناسككم" : أي أنهيتم أعمالكم قبل الوصول إلى البيت الحرام. 
"فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكراً" قد نأخذ المعنى بعدة صور منها صورة أن نذكر الله كذكر الآباء أي كما هو في طلب الطفل من أبوه في المال والحاجات الأساسية، فأقرب أحد يلجأ له الطفل هو الأب، والله سبحانه وتعالى يقول اجعل هذا القرب لي أنا. وقد يكون ذكر الآباء هو الافتخار بهم، ويكون المعنى أنه يريد من العبد أن يحدث بنعم الله وعظمته، أو من الممكن أن يكون المقصود بالآباء هو سنة الأولين، فيكون المعنى أن اذكروا الله وعظموه كما تعظمون سنة آبائكم. وأياً كان المعنى، فعلى الحاج أن يذكر الله ذكراً كثيراً وبكل الأوجه التي تعظم من الله في قلبه. 
"فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وماله في الآخرة من خلاق" هذا صنف من الناس يطلب في الدنيا ولكنه نسى حظ الآخرة، وما له في الآخرة في الآخرة من خلاق. 

(وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201)) 
يعتبر يوم الدخول على البيت بعد قضاء المناسك هو يوم طلب ودعاء لله رب العالمين، والآية تعرض دعوة لله بطلب للدنيا وطلب للآخرة، وليست المشكلة في الدعاء لأمور الدنيا، ولكن المشكلة في طلب الدنيا بدون طلب الآخرة.


(أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202))
الآية تشير للواقع فنصيب الإنسان الحقيقي ليس كل مايكسبه، ولكنه في الحقيقة شيء منه لو حصل الإنسان على مبتغاه من الدعاء في الدنيا وليكن مبلغ مالي، فله في هذا المبلغ نصيب فقط،
والكسب: كلمة عامة قد تعني الحسنة وقد تعني السيئة، وكذلك تعني أن للإنسان نصيب مما كسب فقط وليس كل ما كسب. والآية تعطي إشارة لحقيقة الإنفاق، فما يأتي للإنسان من مال لا يأخذه بالكامل، وإنما هناك طابور يقف يكسب هذا المال، وصاحب المال  هو أول من يقف في هذا الطابور، ثم الوالدين ثم الأقربين، إذاً هناك نصيب للدنيا الذي هو للإنسان وبقية النصيب يجب أن يذهب للآخرة وعلى الإنسان أن يكون أصل سعيه فيما يكسب للآخرة على أن لاينس أن يأخذ نصيبه من الدنيا كما تشير الآية (لا تنس نصيبك من الدنيا).
لفتة : جعل البيت هدى للعالمين، من أجل أن نطلب من الله الهدى، لماذا لا يطلب الملحد والمحتار في الدين الحقيقة من عند الله سبحانه وتعالى. يمكن لطالب الحقيقة أن يقدم حجة لله ، والله سبحانه وتعالى وضع مكاناً له وهو البيت الحرام الذي يعتبر جهة الله، وعلى المؤمن أن يستغل هذا المكان وهذه الجهة من أجل أكبر هم في حياته وهو الآخرة وطلب الهدى ومعرفة الحقيقة وخصوصاً في الاختلافات بين الفرق والمذاهب، وفي وضعنا الحالي لماذا لا نستغل البيت؟ من أجل أن نطلب من الله سبحانه وتعالى أن يحكم في الهم الأكبر لدى الإنسان وهو الدين ؟ الله سبحانه وتعالى يقول لبني البشر تعالوا أنا فاتح لكم الأبواب في هذه الجهة وفي هذا المكان، تعالوا بجميع مذاهبكم وجميع أديانكم واطلبوا مني الهدى وأنا أهديكم .
من حج البيت، فالإنسان ليس له الحق في حج الله لذلك يقال حج البيت أي جعل على البيت حجة في أنه سعى من أجل طلب الهدى، فمعرفة الشرع والدين يجب أن تكون هم الإنسان الأكبر ، وكأن الإنسان وثق بهذه الرحلة سعيه وأكد رغبته الحقيقية في أنه يريد الدين.

(وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنْ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203))

التعجل في يومين تقضي أن ما قبل التعجل هو ثلاثة، فلا إثم عليه على التعجل أو التأخر للمتقي، وهو هنا يحذر من إطالة المدى أو تقصير المدة بدون سبب، ومن ضمن أسباب المكوث في البيت هي الصيام على أساس ( ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجعتم).
لماذا اختار كلمة تحشرون: الكلمة أقرب إلى وضع الحج، فالحج فيه شعور الحشر. 


(وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204))

في هذه الآية استكمال إلى الأصناف التي ذكرها في الآيات السابقة (ومن الناس  من يقول )و(من الناس من يقول)، وهنا في المجمل يصف صنف ثالث وهو الصنف الذي يأتي بكلام يعجبك ولكن حقيقته أنه في خصام لدود مع المؤمنين.  والله سبحانه وتعالى يريد من المؤمن أن لا يحمل خصومة، يريد قلب نظيف ولا يحقد ولا يكره. فهذه رسالة لنا لتطهير القلب من أي خصومة أو أي كراهية.

(وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205))
بعد أن يقول الكلام الذي يقوله،فإنه إذا تولى: أي غاب عن موقع الحديث عن الدين بالصورة التي ترضي الناس، وقد يكون التولي هو الوصول إلى منصب يمكنه من الفعل، يهلك الحرث والنسل: لربما يكون هذا بسبب عدم الإنفاق، فعدم الإنفاق يؤدي إلى إهلاك الحرث وهو الزراعة والنسل، وفي المجمل هناك ساحة للقول، وهناك ساحة للعمل، وهنا أصحاب الكلمات الرنانة إذا غابوا عن ساحة الكلمة إلى ساحة العمل، كان نتيجة أعمالهم هو أن يهلك الحرث ويهلك النسل. 
تغير حكم الله يؤدي إلى نتائج سلبية.أكبر فساد في الأرض هو تغيير الدين، فالقرآن هو كاتلوج الإنسان، وأكبر شيئيين ينتج عن هذا الفساد هو إهلاك الحرث والنسل، والحديث هنا عام وليس خاص ولكن النتيجة أن نصل إلى فساد في هذين الأمرين. 
   
(وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206)) 
هنا من يوعظ ويقال له اتق الله في فعلك هذا ولكن تأخذه العزة بالإثم وهو الإصرار على ماهو عليه من الإثم.وهنا الحديث عن التكبر، فعندما تقول له اتق الله: تأخذه العزة وقد يعاقب من يقول له اتق الله.

(وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207))

في هذه الحالة هناك من يضحي بنفسه ويبيعها، هو من أجل ابتغاء مرضاة الله، والله يقول له: أن الله رؤوف به، وعكس الفساد في الآية السابقة هو الإصلاح الذي يكون مؤداه إصلاح الحرث والنسل، عكس الرجل الأول.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق