(أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ
فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ
مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75))
هذه الآية تخاطب المؤمنين برسالة النبي محمد (ص) مشيرةً إلى الرغبة الحقيقية في قلوبهم بأن يدخل بنو إسرائيل في الإيمان، ولكن الآية تعارضهم على هذه الرغبة وتقول: كيف تطمعون أن يؤمنوا لكم وبرسالة النبي محمد (ص) وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله في التوارة ثم يقومون بتحريف ما سمعوه بعدما عقلوا وفهموا أن تلك الآيات تطابق الحقائق التي جاء بها النبي محمد في رسالته، فيحرفونها حتى لا يكون الحق مع النبي محمد.
(وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا
آمَنَّا وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا
فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ
(76))
وهنا تتحدث هذه الآية عن حقيقة قد تخفى على المؤمنين، وهي أنهم إذا لقوا الذين آمنوا يقولون لهم آمنا بما أنزل إليكم وأن ما أنزل على النبي محمد مطابق للتوراة فيشيرون إلى بعض آيات التوراة المؤيدة والمؤكدة على صدق نبوته، ولكنهم إذا خلا بعضهم إلى بعض ينقلبون على اعقابهم فيقولون لبعضهم أتحدثونهم بما فتح الله عليكم، أي أتحدثونهم بآيات التوارة التي تؤيدهم، فلا تفعلوا ذلك حتى لا يكون ذلك حجة يحتجون بها عليكم عند ربكم، ويعاتبون بعضهم على هذا الانفتاح الذي يحصل بينهم وبين المؤمنين فيقولون : أفلا تعقلون؟ كيف تفعلون ذلك؟
(أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ
(77))
وهنا تخاطبهم الآية قائلة بأن الله يعلم ما يسرون أي ما يخفون بين بعضهم البعض وما يعلنون بينهم وبين المؤمنين.
(وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ
هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (78))
وهنا تتحدث الآية عن فئة أخرى من بني إسرائيل وهم الأميين الذين لا يعلمون من الكتاب شيئاً، ولكنهم لا يعلمون في دينهم إلا الأمنيات، والأمنيات هي ما يتداولوه بينهم من أنهم أمة ناجية ستنجو يوم القيامة لأن الله سبحانه وتعالى فضلهم على بقية الخلق وميزهم عن غيرهم.
(فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ
بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ
ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ
مِمَّا يَكْسِبُونَ (79))
هنا تتحدث الآية عن التحريف الذي أشارت إليه آية (75) السابقة، في أنهم سمعوا الكتاب ثم وعوه وعقلوه ثم كتبوا نسخة محرفة وقدموها للمؤمنين من أجل أن يظهروا لهم أن النبي محمد جاء بما يخالف حقائق التوراة ويشككوا المؤمنين في إيمانهم فيتراجعوا.
(وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً
مَعْدُودَةً قُلْ أَاتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ
عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (80))
وادعوا بأنهم بفعلهم هذا، ولكونهم محببين عند الله فلن تمسهم النار، وإن مستهم فلن تمسهم إلا أياماً معدودات وهي أيام قلائل جداً ويخلصون بعدها من العذاب إلى جنة الخلد، وتسائلهم الآية الشريفة قل أتخذتم عند الله عهداً، هل عاهدكم الله بهذا؟فهذا لم يرد في كتاب التوراة! فكيف تعتقدون بمعتقد لم يخبركم الله به، ولكن حقيقة الأمر أنكم تقولون على الله ما لا تعلمون وهو ذنب كبير.
( بَلَى مَنْ
كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ
هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81))
تأت هذه الآية لتبين عهد الله مع البشر والذي أشارت إليه الآية السابقة "فلن يخلف الله عهده" بأن الإنسان مرهون بعمله لا بأمله، وأن من كسب سيئة وتمكنت منه خطيئته لدرجة أنها تحيط به وتغلق عليه منافذ الخلاص منها ولا يمكنه الفرار منها فمآله إلى النار.
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82))
وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم الذين يدخلون الجنة
(وَإِذْ أَخَذْنَا
مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ
إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ
حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ
قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83))
وبعد أن أشارت الآيتان السابقتان إلى أن الخلاص من السيئات وعمل الصالحات هو الذي ينجي من النار، تبين هذه الآية الميثاق الذي أخذ على بني إسرائيل مبتدءً بعبادة الله وحده والذي يعني أن لا يتم اتخاذ غير الله حكماً وأن لا يُعبد سواه، وأن لا يتعبد لله بغير ما نصت عليه التوراة، ثانيها الإحسان للوالدين وذي القربي واليتامى والمساكين وهي الفئات التي تستحق الإنفاق والرعاية، ثالثها قول القول الحسن للناس، رابعها : أقامة الصلاة ، خامسها : إيتاء الزكاة.
وتبين الآية أن كثير من بني إسرائيل تولوا عن الالتزام بهذا الميثاق، ومع ذلك اعتبروا أنفسهم شعب الله المختار. فهذا هو العهد الذي بينهم وبين الله والذي على أساسه ينالون رضاه، ولكنهم قابلوها بالأمنيات التي أفسدتهم ونقضوا من خلالها الميثاق.
مواضييع ذات صلة
مقال : أو أشد قسوة
مواضييع ذات صلة
مقال : أو أشد قسوة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق