الجمعة، 30 مارس 2018

سورة الأنفال من آية 55 إلى 63

(إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ(55))
"إن شر الدواب" بمعنى أسوأ ما يدب على الأرض، وهذه العبارة تعطي إعادة تعريف للذين كفروا، فكل ما على الأرض من كائنات بما فيهم الإنسان يدب على الأرض، ومن هنا يبدأ في تعريف الذين كفروا بأنهم في الأصل مع كل هذه الكائنات في صف واحد، وشر تلك الدواب هو هذا الذي عرض عليه الإيمان ثم كفر، وبهذا تتراجع قيمة هذا الإنسان بحيث يكون الأسوأ ما بين كل تلك الدواب. 
إذًا فالله سبحانه وتعالى يريد منا الخير ولا يريد الشر، وهذا الكافر سيستغل كل إمكانية وهبه الله إياها في الشر وفي الاعتداء وليس في الخير. 



(الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ (56))
في الآية تخصيص في التعريف للذين كفروا بالتحديد وليس كل من كفر بالمعنى العام، وإنما هم أولئك الذين كفروا برسالة النبي محمد واعتدوا عليه، ثم وقعت بينهم وبين النبي محمد معاهدة بعدم الإعتداء ولكن نقضوا هذا العهد وأعادوا الاعتداء، وهنا يتبين معنى الشر، فالاعتداء على المؤمنين ومحاولة إيقاف دعوة الله شر لا أكبر منه شر آخر. 
" ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون " لا عهد لهم ولا تقوى لهم، فهؤلاء هم شر دابة تسير على الأرض. 



(فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57))
الآية تقول للرسول أنه إذا حصلت حرب قادمة ورأيت أولئك الكفار، "فإما تثقفنهم" أي ظفرت بهم في الحرب كمن يبحث عن شيء فظفر به، فالأمر هو أن تشرد بهم من خلفهم، وهذه إشارة إلى أنهم يكونوا في مقدمة القوم ويكون من خلفهم التابع لهم في حركتهم واعتدائهم، الآية لم تقل شردهم، ولكن تقول "شرد بهم من خلفهم"، أي افعل بهؤلاء ما يجعل أولئك التابعين  لهم يشرد من الحرب، افعل بهم ما ينكل بهم فإذا نكلت بهم تشرد القوم الذين من وراءهم، "لعلهم يذكرون" أي لعلهم يتراجعون عن نقضهم للعهد، والذي يعني أنهم تعاهدوا على عدم التقاتل ولكنهم ينقضون هذا العهد.



(وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58))
هذه الآية تشير إلى فئة أخرى وإلى قوم آخر، هذه الفئة يُخشى منها الخيانة، والخيانة تختلف عن نقض العهد، الخيانة هي أن يتعاون هؤلاء القوم مع المشركين الذين هم المعتدين الأساسيين على المؤمنين، وإذا قال للرسول إذا خفت منهم خيانة ، أي من الأقوام الآخرين الذين هم في الأساس ليسوا معتدين ولكن يمكن أن يكونوا ظهير لكم، فلا تجعلوهم ظهير لكم أو معاون لكم فمن الممكن أن يدخلوا معكم من أجل الخيانة مع المشركين ضدكم. " إن الله لا يحب الخائنين" العبارة في هذه الحالة موجهة للخونة الذين يخشى منهم.

(وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا ۚ إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ (59))
علامات النصر عند الكافر هي علامات مادية  بصرية، والكفار الذين تتحدث عنهم الآيات السابقة يظنون من خلال تمكنهم من التموضع في ساحة الحرب أو في اتخاذ قرار الحرب ضد المؤمنين أنهم مسكوا زمام الأمر فلا يمكن بعد ذلك أن تنقلب عليهم الأمور، والله يخاطبهم بأنهم لا يعجزونه، أي ليس لإرادة الله مانع ولا دافع فإذا أراد الله شيئًا سيتحقق وإن كانت المعطيات في صالح الكافر العدو.



(وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60۞) 
الآية توجه الخطاب للمؤمنين بأن يعدّوا، والإعداد هو التجهيز المسبق للشيء، والآية تقول " ما استطعتم " أي ماهو في إمكانيتكم من القوة، والقوة هي في المادة وفي الرجال والعتاد، ورباط الخيل هو أن تكون للمؤمنين عدد كاف من الخيول، من خلال هذا الإعداد ترهبون به العدو وترهبون آخرين يريدون أن ينقضُّوا عليكم حين يرونكم في حالة ضعف، ولكن هذا الإعداد سيمنع أولئك المتحينين الفرصة في الانقضاض على المؤمنين والقضاء عليهم.
" وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم " هذا الإنفاق سيكون في صالح هذا الإعداد من توفير الخيول وكل وسائل القوة، " وأنتم لا تظلمون " لن ينقص الله حقكم أيها المؤمنون في أي شيء تنفقونه.


(وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61))

الآية تعطي مسار التعامل مع الذين يقاتلون المؤمنين، فالإعداد والإستععداد ضروري  لقتالهم كما بينت الآية  السابقة، فإذا ما جنحوا للسلم وجب على  المؤمنين أن يجنحوا للسلم أيضًا وأن لا يستمروا في قتالهم، وهذا يعطي الهدف من ذلك الإستعداد الذي ذكرته الآية السابقة وهو الوصول إلى هذا السلام، لأن بعض السلام يحتاج إلى قوة وما لم يكن لدى الفرقة أو الجماعة قوة معدة فلن  يحصل على السلام. 
" وتوكل على الله " التوكل على الله في التوقف عن الحرب، فهو الوكيل في حفظ النبي والمؤمنين ورفع الضرر عنهم، " إنه هو السميع العليم " هو يسمع دعاءك وعليم بأحوالكم.

(وَإِن يُرِيدُوا أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ ۚ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62))
" وإن يريدوا أن يخدعوك " في أن يتظاهروا بحالة السلم من أجل المناورة مع المؤمنين واستكمال القتال معهم بشكل مباغت أو بإسلوب آخر أو بعد حين، " فإن حسبك الله" فلا تخف منهم فكفايتك الله سبحانه وتعالى وهو القادر على أن ينجيك  من شرهم بما يشاء. " هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين" تذكير بفعل الله السابق، فالله سبحانه وهو الذي أيدك " يامحمد " بنصره في المواجهات، وأيدك بالمؤمنين الذين اتبعوك وحاربوا معك. 


(وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۚ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63)) 
استكمالاً لموضوع التأييد بالمؤمنين على أنها نعمة من نعم الله وأحد المعالم المهمة لنصرة الله لدعوة النبي محمد (ص) جاءت هذا الآية لتضيف نعمة أخرى على المؤمنين وهي أن الله سبحانه وتعالى ألف بين قلوب المؤمنين، والألفة بين القلوب نعمة كبيرة لها دور كبير في ارتفاع المعنويات أثناء الحرب لأنهم يقاتلون بروح  واحدة وعلى قلب واحد، وتأكيدًا إلى أن هذه النعمة اللطيفة هي من عند الله تستكمل الآية بقولها " لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألفت بين قلوبهم" فهذا القلب بيد الله وليس بيد أحد، ولن تتمكن كل أموال الدنيا في إيجاد هذه الألفة. "ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم" هذه الإلفة هي فعل الله وليس فعل أحد، إنه عزيز حكيم،عزيز ولذلك أعز المؤمنين بهذه الألفة، وحكيم في فعله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق