السبت، 24 مارس 2018

سورة الحجرات من آية 11 إلى 12

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)) 
الآية الشريفة تعطي أوامر تتعلق بالتعاملات الإجتماعية وفيها ثلاث نواهي أساسية وهي: السخرية،اللمز، والتنابز وفي ختام الآية تصف من يفعل أي فعل من تلك الأفعال بأنه فسق بعد إيمانه وتجب عليه التوبة، وإن لم يتب فهو ظالم.
السخرية هي من فعل (سَخَرَ) والذي يعني أن تذلل الشيء فيطيعك. المجتمعات عند الله سبحانه وتعالى متساوية متعادلة لا فضل لأحد على آخر، وما يقوم به الساخر هو إنزال من قدر المسخور منه حتى يبدو أنه أعلى منه في المكانة أو المال أو القدر، فإن سخر منه تمكن من تسخيره لصالحه وكان الآخر طوع إرادته وأمره. وهذا ما يحدث بين الأقوام وبين الناس التي تتفاضل على بعضها البعض. 

الآية تخاطب الذين آمنوا وتقول لهم " يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم"، فلا يصح  من المؤمن أن يفترض أن قومه أفضل من أي قوم آخر فيتفاضل عليهم ويفترض في نفسه الخيرية على الآخرين فقد يكون القوم الآخر هو خير عند الله ولكنه لا يعلم. ثم كررت الآية الخطاب للنساء على وجه الخصوص، وأن ما هو معني وبالرجال في هذا الشأن يعني المرأة بشكل خاص أيضاً، لأن التمايز بالسخرية على الآخرين يبرز بشكل آخر في النساء. 

" ولا تلمزوا أنفسكم " 
اللمز هو ما يمس الإنسان من إشارة أو قول فيؤلمه ويضعفه أمام الآخر، والآية تقول لا تجعلوا في أنفسكم من معيبة تُستغل من قبل الآخر فيلمزكم بها، لا تجعلوا أنفسكم عرضة للمز من قبل من يتصيد هذا اللمز، وهذا الأمر متصل بالأمر الأول وهو عدم السخرية، فالساخر يبحث عن ضعف في الطرف الآخر حتى يسخر منه، فإذا ما لمز الإنسان نفسه أي أنقص من نفسه في شكله أو فعله أو حركته جعل من نفسه لقمة سائغة للساخر.

" ولا تنابزا بالألقاب " 
النبز : هو بحث في ما يعيب الإنسان بشيء يجعل منه محتقراً منبوذا، والعبارة لا تنابزوا بالألقاب أي لا تبحثوا عن لقب تعيبون به أحد منكم فيكون هذا اللقب أداة لاحتقاره وازدراءه والتقليل من شأنه.

"بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان" 
من يفعل أي فعل من تلك الأفعال المنهي عنها فإنه يستحق اسم الفاسق ولا يستحق اسم المؤمن، والفسوق هو خروج عن الإيمان بعد التصاق شديد به، ويا بئس هذا الإسم، وهذا الوسم الذي يستحقه الساخر من الاخرين سواء باللمز أو النبز بالألقاب أو بأي شكل من  أشكال السخرية هو من جنس العمل الذي يقوم به فهو يلفق المسميات على الآخر ولكنه في حقيقته هو الذي يستحق مسمى الفاسق.

" ومن لم يتب فإولئك هم الظالمون " 
الوقوع في أي من تلك الأفعال هو ذنب يجب التوبة عنه والعودة إلى الإيمان، والبقاء على هذا الذنب يجعل الإنسان من الظالمين. 

تبين الآية أن الخروج عن حالة التعايش مع الآخرين على أساس التساوي هو في أصله خروج عن أصل الإيمان، وهذا يبين ركن أساسي من أركان الإيمان النفسيه والقلبية وهو الشعور بالتساوي مع بقية البشر وعدم التمايز عنهم، وأن السخرية أو اللمز أو النبز بالألقاب دليل يؤخذ من لسان المؤمن أنه فسق وخرج عن هذا المبدأ وعاد للجاهلية مرة أخرى.

 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)) 
تخاطب الآية الذين آمنوا وتأمرهم باجتناب الكثير من الظنون التي تصدر في النفس تجاه الآخرين، لأن بعض تلك الظنون قد تكون إثماً في حد ذاتها، فتجنب الكثير منه لأنك لا تعلم أي منها سيوقعك في الأثم. 

ثم تنهى عن التجسس والذي يكون منبعه الشكوك التي  تساور القلب تجاه الآخر ظنًا منه بأنه يضمر سوءًا، فيلجأ هذا الظّنان للتجسس من أجل أن يتحقق من حقيقة ما يضمره الآخر تجاهه أو ما ينويه، وعلى الرغم من أن هذا الفعل قد يبدد شكوكه فقد يرى خلاف ما يعتقده إلا أن الآية تنهى عن هذا الفعل لأنه ليس من حق المتجسس أن يأخذ حقائق عن الآخر من دون علمه، ولأن هذا الطريق لن يزيده إلا شكاً وكرهًا وبغضًا وكراهية.

وأخيرًا تنهى الآية عن الغيبة، والغيبة هي انتقاص الآخر في غيبته وتناوله بما لا يحب أمام الآخرين في سبيل استصغاره والنيل منه، ثم تشبه الآية هذا الفعل كمن يأكل لحم أخيه ميتًا، والميّت غائب، على الرغم من وجود جسده ، فالميت في حقيقته لا يعلم ما يفعل بجسده لأنه بعيد عنه، والجسد هو أمانة عند الأحياء وهو الوجود الثاني له في غيابه بالموت، وأكل لحم الميت ليس مستساغًا في أصله فما بالك بأكل لحم الأخ وهو ميت، فهو أمر تكرهه النفوس لدرجة الاشمئزاز، فإذا كان أكل لحمه ميتًا مكروهاً بالنسبة لكم فمن المفترض أن يكون شعوركم في الحديث عنه أثناء غيابه بالمثل. 

" واتقوا الله إن الله تواب رحيم" 
هذا الجزء من الآية بفرض أن نعامل الآخرين على أساس من التقوى، أن ننظر  لله أثناء تعاملنا مع الآخر لا أن نتعامل معه على أساس ما يفعل هو أو ما يبدو منه من أخطاء، وتؤكد أن الله سبحانه وتعالى تواب رحيم، يتوب على المؤمن إن تاب من تلك الأفعال واستغفر ربه منها وتلك رحمة كبيرة منه سبحانه وتعالى.

الله سبحانه وتعالى يحفظ للإنسان حقه في عدم انكشاف أسراره من خلال التجسس، وأن هذا التجسس الذي هو رغبة في معرفة الغيب فيما يفعل الآخر وما يقول هو ليس من حق المتجسس، بل هو اعتداء على حقوق الآخرين وهذا مخالف للتقوى. والآية تعطي أساس في التعامل مع ما يصدر من الآخر وهو التعامل بالظاهر وترك الشكوك في الأفعال وتتبع مقاصد وما يضمر كل شخص، والمؤمن عليه بما هو ظاهر فقط ، وإن تتبع أقوال وأفعال الآخرين بالتجسس لا يوصل للحقيقة، وأن الظنون السيئة بالآخر تقود إلى الكراهية والكراهية تقود إلى الغيبة والغيبة تحطم المجتمع وتمزقه وتفقده الثقة ببعضه البعض. 

الآية الاولى بدأت الحديث عن السخرية من الأقوام، وتحدثت الآيتان فيما بعد عن التعامل الفردي، وكل تعامل من تلك التعاملات من السخرية واللمز والنبز بالألقاب، والظنون السيئة والتجسس والغيبة هو ينطبق أيضاً على مستوى الأقوام وعلى مستوى الطوائف، فكما أنه على المؤمن أن يتقي في تعامله على المستوى الفردي عليه أن يتقي الله في تعامله على مستوى الأقوام والطوائف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق