الجمعة، 9 يناير 2015

سورة البقرة من آية 137 إلى آية 139

(فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ فَقَدْ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمْ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137))
الهدى هو في اتباع ملة إبراهيم، و الشقاق: هو التعب والشقاء الذي تسببه الغلو الذي جعلوه بأنفسهم، أو هو انشقاق عن الدين الأساسل، بمعنى الانفصال عن الأصل وهو الإسلام، والآية تقول لا صلاح لهم لأنهم في حالة انشقاق. فسيكفيكهم : يكفيك فالله يعلم كيف يتعامل معهم، وهي إشارة إلى كف أيديهم عن الأذى فهي تقال من إجل إدخال الطمئنينة في قلب النبي فهو سبحانه السميع العليم الذي  ينتظر منك الدعاء فادعه.

والآية في مجملها متصلة بالآيات السابقة لتشير إلى انشقاق أهل الكتاب الذين سبقوا النبي عن طريق التوحيد الذي يمثله إبراهيم واسماعيل وإسحاق، وقد قالو كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا، ورد الله على ذلك القول : " قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136)" هذه هي صيغة الإيمان الذي استبدل الله بها قولهم. 
إذا جاء النبي محمد لكي يجمع كلمة الناس على كلمة واحدة ويعيدهم إلى جادة الصواب، فمن قال بذلك القول وبعدم الفرقة بين الأنبياء وأن ماجاء به الله سبحانه وتعالى على جميع الرسل هو نسخة واحدة ، فقد اهتدى، وإن تولى عن ذلك إنما هو منشق

(صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138))
الصبغة هي الطلاء، وطلاء الله سبحانه وتعالى هو ذا لون واحد  ليس لها ألوان متعددة، أي أن دين الله هو نسخة واحدة وليس نسخ متعددة. وهذه الصبغة التي يصطبغ بها المؤمن متوافقة مع فطرته التي تقبل هذا المنهج وهذه الطريقة بلا تحيز إلى أي طائفة أو أي شخصية وإنما لله وحده.
وبهذا النهج يوصف المؤمن بأنه على صبغة الله، لأنها تعطي المؤمن الطعم الملائكي الإنساني النقي من العصبية العمياء والتي تجعله سليماً بفطرته لا معوجاً كباقي المتعصبين.
وفي الآية تأكيد على أن المؤمن آمن بما نزله الله لا يفرق بين أحد، وأن قدرة الله سبحانه وتعالى تجلت في النسخ لكتاب آخر هو مطابق لنفس الكتاب الذي كان في صدور الذين أوتوا العلم قبل أن ينزل القرآن، ولا يحق لأحد بعد ذلك لأن يقول هذا دين اسمه يهودي وذاك إسلام ، فكلاهما من منبع واحد هو الله وله مسمى واحد هو الإسلام.

(قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (139))
هذه الآية تشير تذكر محاججة دارت بين النبي وبين بني إسرائيل، ومن الآية نتعلم المحاججة مع أي في نفس الحالة لنرد عليه بالكتاب. الأمم في هذا الزمان تعيش نفس الحالة. ولن نجد أفضل من  رد الله في القرآن على الذين قلوبهم تشابهت. ونسمع بمقولة الفرقة الناجية على سبيل المثال دون أن يكون لها برهان من الكتاب أي من عند الله من أي فرقة من الفرق ادعت ذلك.

الآية تقول ربنا وربكم: وهي تعني "كتابنا وأقوالكم"، والآية لم تستخدم لفظة "إله" لكنها استخدمت لفظة "رب" لارتباط هذه اللفظة بالشرك، فالحكم في الأمر من أفعال الربوبية، ومن يأخذ حكماً من غير ماقاله الله سبحانه وتعالى فقد اتخذ قائل الحكم رباً لأنه شارك الله في أحد أفعال الربوبية وهو الحكم. ومن هنا نفهم أن الإخلاص هو إخلاص في الكتاب السماوي. أي بعدم إضافة أو تغيير حكم لم ينزله الله، أحكام الله واضحة بينة في كتابه ولكن المشكلة تكمن في أن الناس تعقب على الأحكام، فتهون أو تقلل من الحكم، فترى من أنزل الله إليهم الكتاب يصلون ولكن الكتاب يقول عنهم أنهم أضاعوا الصلاة فلم تعد الصلاة تؤدى بنفس الإخلاص الذي يطلبه الله في كتابه. 

موضوع الإخلاص لله في المحاججة هو الفيصل فهو يحرج من هو غير ملتزم، لأن المسألة هي مسألة اختلاف في أحكام الدين، والإخلاص يعني الالتزام بأحكام الكتاب، وهنا يكون الملتزم بما أنزل الله هو أكثر أمناً مع الله سبحانه وتعالى، وهذا يكون النفي للمزايدات التي لم ينزل بها السلطان في اليهودية أوالنصرانية.

(أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمْ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنْ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140))
يعرف القرآن الكريم ملة إبراهيم على أساس الإعتراف بكل الأنبياء الذين جاءوا على نفس الهدف: ( قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136)). وهذا الإعتراف يلغي أن تكون هناك أديان مختلفة، بمعنى أنها تلغي قول من يقول أن هناك شيئين مختلفين هما ملة إبراهيم وديانات أخرى، ولكن الله سبحانه وتعالى يقول أن الديانات كلها على ملة إبراهيم ومتطابقة معها.
  
قل: أأنتم أعلم أم الله؟ العلم هو علم الكتاب، وهم يعترفون أن النبي محمد رسول، لكنهم يرفضون ما جاء به من علم يخالف أهواءهم، وهو يقول لهؤلاء المحتجين: أأنتم أعلم أم الله؟ وإرجاعهم لعلم الله هو إرجاعهم للتوراة أو القرآن. 
هم يشهدون أن الحكم عند الله، والله يسألهم كيف تكفرون وأنتم شهداء؟ أي يقول أن ما أقوله لكم هو عندكم في الكتاب، وأنتم تكتمونه. 

(تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (141))
ولا تسألون عما كانوا يفعلون: لم يوجب الله علينا ما فعله الأولون، بل إن ما أوجبه هو تنفيذ التعاليم بغض النظر عن كيف تم تنفيذ هذه التعاليم من قبل الذين سبقونا. لذا على المؤمن أن يتبع التعاليم لا أن يسير على ماكان عليه آباءه إني وجدت آبائي على أمة وإني على آثارهم مقتدي. إن جوانب الأسوة في إبراهيم والذين اتبعوه هي موجودة في الكتاب، مع إن إبراهيم على الحق، ولكن الآيات تقول: أنك لاتسأل عما كان يفعل، فلا  مسوغ لأحد أن يقول السلف الصالح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق