( إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16))
الآية الشريفة تتحدث عن حادثة محددة حدثت في زمن الرسالة، وهي الحادثة المعروفة بحادثة (الإفك) والتي يتضح من خلال الآيات أنها حادثة اتهام لإحدى المؤمنات بدون بينة وإنما من خلال شبهة. وجاءت هذه الآية لتصف الحالة التي تم تداول هذا الخبر بين المؤمنين بدون روية أو ورع (إذ تلقونه بألسنتكم) ولو تأملنا في واقع الحال
فإن الإنسان يتلقى الخبر بأذنية وليس بلسانه، ولكن الآية تصف اللسان كوسيلة لتلقي الأخبار الشائعة وكأنه أداة يقذف بالخبر في نفس الوقت الذي يصل إليه، وهي حالة الإنسان الذي يتلقى الأخبار دون تعقل وبلا ورع وإنما يعمل كآلة نقل عمياء، ويساهم بجهله هذا في الإفساد والنيل من الآخرين وإسقاط عدالتهم دون خشية.
(وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم) موضوع النيل من شرف الآخرين، لا يمس الذات المقدسة لله عز وجل، ومع ذلك فإن الآية تعبر عنه بالقول العظيم عند الله، الأمر الذي يشعر من خلاله المؤمن بكتاب الله أن هاهنا قيم عالية الحساسية وأن الله سبحانه وتعالى يغضب لضياع هذه القيم لدى المؤمن، إذ كيف يكون المؤمن مؤمناً وهو يتعاطى مع غيره بالاعتداء على أعراضهم دون
أن يتبين.
(ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم) تسبيح الله هو نوع من الاستغفار ، وكأن الحديث في شيء لا يعلمه الإنسان هو استكبار، لأن الإنسان إذا تحدث ونقل الخبر الكاذب في الأعراض تساوى مع من يعلم الغيب، على الرغم من أنه لا يعلم، تماماً كما كان رد الملائكة حين سألهم الله عن الأسماء ( قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا ).
الآية تؤكد على منهج يتوجب على المؤمن أن يسلكه في حياته هو الاعتماد على الحقائق لا على الأوهام في شتى المواضيع وخصوصاً فيما يتعلق بالأعراض، والآيات جاءت بأحكامها ولكن بصيغة المعاتبة، وللجاهل أن يقول:كان لزاماً أن ينزل الحكم أولاً، ثم يعاتب المؤمن عليه بعد أن يكون منصوصاً، لا أن يعاتب المؤمن على حكم لم يعلمه بعد! ولكن الحقيقة أن الآية تقول أن هذه المنهجية يجب أن تكون من أساسياتك التي أسست بها إيمانك بالله وبالكتاب وباليوم الآخر، ومن اساسياتك في احترامك لحقوق الآخرين، ومن أساسياتك في معرفتك لقدرك وقدر الآخرين حين تتحدث، فهو عتاب على الإخلال بأساس من أساسيات من آمن بالله على الحقائق لا على أساس الأوهام، كيف به يأخذ بالأوهام في أخبار الناس؟! وهو عتاب على من لا ينظر إلى أهدافه حين يتحدث، هل هو يصلح أم يفسد بقوله الذي لا يحسب له حساب، وهو عتاب من لا يرضى لنفسه أن يتم تناوله بين الناس بالظن كيف يرضى لغيره؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق