(أَلَمْ تَرَى إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنْ
الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ
يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23))
هؤلاء هم أهل الكتاب في زمن النبي محمد (ص) وقد أوتوا نصيباً من الكتاب أي أوتوا نصيباً من علمه وهداه، وغاب عنهم بقية علمه لأنهم اتخذوا غيره هادياً ومرشداً، وهاهو الرسول يدعوهم إلى كتاب الله ليحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون في الشريعة والأحكام والعقائد، ثم بعد ذلك يتولى فريق من أهل الكتاب عن هذه المحاكمة وفي هذا إشارة واضحة لكفرهم بالكتاب مع ادعائهم أنهم أهله وحامليه، وهم نفسهم الذين أشارت إليهم الآيات السابقة بأنهم يأخذون من الكتاب ما تشابه منه، وهنا يريد الله من المؤمنين أن يأخذوا الكتاب كله لا أن يأخذوا ببعضه ويكفرون ببعض.
(ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ
إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ
(24))
لقد أخذ هؤلاء الغرور في دينهم، فقد اعتقدوا أن النار لن تمسهم إلا أياماً معدودات، وغرهم هذا الافتراء وساروا على هذه العقيدة الباطلة التي تشربتها قلوبهم فلم يعودوا يخشون من الكتاب أي شيء فهم في منجاة من النار مهما كانت الأحوال ومهما كانت محاكمة الكتاب السماوي لتصرفاتهم. وعندما تقول الآية "وغرهم في دينهم" فهي تعني أن لديهم دين آخر غير دين الله سبحانه وتعالى، ودين الله يحكم بالحق لأن الله قائم بالقسط كما أشارت الآيات السابقة.
(فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ
وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (25))
الآية تقول ما حال هؤلاء المغرورين بدينهم يوم القيامة؟ ذلك اليوم الذي لا ريب فيه، الذي توفى فيه كل نفس ما كسبت بغض النظر عن انتماءه وعن طائفته، وهذا هو قيام الله سبحانه وتعالى بالقسط الذي أشارت إليه الآية (18)، فقد كانوا يفترون على الله الكذب فيخرجون الله بافتراءاتهم من هذا القسط، وهي افتراءات ما أنزل الله بها من سلطان.
(قُلْ
اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ
الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ
بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26))
قد يبدوا من ظاهر الأحداث التي كانت في زمن النبي والتي تتحدث فيها الآيات، وقد يحصل ذلك في كل زمان، أن هؤلاء الذين يحملون هذه العقيدة الباطلة في غلبة وعزة، وعلى هذا فإن هذا دعاء يعلّمه الله سبحانه وتعالى إلى النبي في شأن أهل الكتاب لأنه يراهم أصحاب كلمة وملك، فيأمره بأن يقول اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير.
وفي هذا الدعاء إشارة إلى وضعهم المالي العالي بالمقارنة بغيرهم، ولكن الله سبحانه وتعالى هو الذي يعز وهو الذي يذل، فادع أيها المؤمن بهذا الدعاء حين ترى أحد في ضلال ولكنه في عزة، واعلم بأن العزة لله، وهو الذي يعطي الملك لمن يشاء حسب علمه ومشيئته.
(تُولِجُ اللَّيْلَ
فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ
الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ
حِسَابٍ (27))
الإيلاج هو أدخال شيء في شيء آخر، والآية تشير إلى آية من آيات الله المبصرة التي تتكرر على الإنسان كل يوم وهي أن الله سبحانه وتعالى يدخل الليل في النهار، يدخل الليل بلطف والنهار لازال موجوداً،وكذلك يولج النهار ولازال الليل موجوداً وهذه من آيات الله ومن نعمه على الإنسان أن ضوء النهار لا يدخل بشكل مفاجئ، وكذلك عتمة الظلام لا تخيم على الإنسان بشكل مفاجئ.
يخرج الحي من الميت كما تخرج النبتة الحية من البذرة الميتة، ويخرج الميت من الحي كما يخرج البذرة أو الثمرة من النبتة الحية، ويرزق من يشاء بغير حساب .
وهذا تسبيح لله سبحانه وتعالى يعلمه الله في كتابه للمؤمن حتى يذكر الله به سواء في صلاته الفعلية أو في أي وقت من الأوقات، وهو إتمام للدعاء في الآية السابقة (قل اللهم مالك الملك)، فهذا الإله الذي ترى آياته ماثلة أمامك صباح مساء هو القادر على أن ينزع الملك ممن يشاء فاستعن بالله وثق به سبحانه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق