(سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي
السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1))
(هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ
الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ
مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ
مِنْ اللَّهِ فَأَتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي
قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ
فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ (2))
الله سبحانه وتعالى شاء أن
يخرج أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر أي
هي بداية تنفيذ الوعد الإلهي في أن يجمع
أهل الكتاب في منطقة واحدة تطبيقاً لوعده عليهم سبحانه وتعالى تماماً كما جاء في
سورة الإسراء ( فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم فليفا) أي جمعناكم من أقصاع العالم
لمنطقة واحدة، وكان خروجهم هذا بسبب اعتداءاتهم المتكررة على النبي وأصحابه على
أساس خلفية دينية وبسبب بغضهم للرسول وللدين الذي ظهر به، ولأن الله سبحانه وتعالى
قال في هذا الصدد (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ
تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ
ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33))
، وهو ماطبقه النبي (ص) ضدهم بأن كان لهم الخيار إما أن يقاتل من قاتلوه، أو أن
يسمح لهم بالخروج من مساكنهم. وهو ماحصل فعلاً وهو أنهم خرجوا من مساكنهم وكان ذلك
الأمر مستبعداً من قبل المؤمنين أن يخرج
أهل الكتاب من حصونهم المحصنة، فظن أهل
الكتاب أن حصونهم ستمنعهم من ذلك. ولكن وعد الله كان في أن آتاهم من حيث لم
يحتسبوا، وقذف في قلوبهم الرعب، فكان منهم أن خربوا بيوتهم عند الخروج منها وحين
داهمهم المسلمون، وكانت تلك آية مبصرة لمن أراد الإعتبار.
(وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ
اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي
الآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ (3))
ولأن الله سبحانه وتعالى
كتب عليهم هذا الخروج وهو الجلاء من
مساكنهم لوعد قد وعده عليهم، لعذبهم أي لكان قصاص القتل من قبل المؤمنين هو
الجزاء لأفعالهم واعتداءاتهم.
(ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ
شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقَّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ
الْعِقَابِ (4))
ذلك بأنهم عملوا على الوقوف
في قبال دين الله أن لا ينتشر بمحاربة الرسول والمؤمنين الذين معه والترصد لهم
بالقتل، فكان ذاك هو عقاب لهم في الدنيا.
(مَا قَطَعْتُمْ مِنْ
لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ
وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ (5))
الآية تخاطب المؤمنين وتقول
لهم ما قطعتم من لينة أي من نبتة لينة المنبت، أو تركتموها قائمة على أصولها أي
تركتموها نابتة وفيها جذورها، حتى هذا الأمر البسيط الذي قد لا يخطر على بالكم فهو بإذن الله لأن الحرب هي بإذن
الله وبأمر من الله ولأن تلك هي مشيئة الله في هؤلاء القوم.
(وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ
عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ
وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ (6))
الآية تتحدث عن الفيء وهي الأموال والغنائم المحصلة من جلاء أهل الكتاب من ديارهم، وأسماها الفيء وكأنها رجعت إلى الله
ورسوله أي رجعت إلى مكانها الحقيقي والصحيح، وهذه الأموال عادت بدون حرب وجهد من
المؤمنين، ولكن الله سلط رسله على هؤلاء الأعداء فأخرجهم من ديارهم، والله على كل
شيء قدير.
(مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى
رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى
وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ
الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ
عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7))
ولأنه فيء فالله يحكم فيه
والرسول، فحكم الله أن هذه الأموال التي تفيء إلى الرسول من أهل القرى سواء من
غنائم بدون حرب أو من عطايا أهل القرى، فإن تقسيمها هو كالتالي: فهي لله وللرسول
ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، وهنا الآية تعطي التبرير لذلك وهو
لكي لا تكون هذه الأموال محتكرة لدى الطبقة الغنية فقط, بعدها تقب الآية وتقول
: وما آتاكم الرسول من هذه الأموال ومن
هذا الفيء فخذوه، وما نهاكم عن أخذه من هذا الفيء فانتهوا عن أخذه، واتقوا الله إن
الله شديد العقاب، وهذا معنى أن هذه الأموال لله وللرسول، أي أن الله يحكم فيها وقد ذكر حكمه فيها، "وللرسول"
أي أن للرسول يحكم فيها أيضاً، وهو ما صرح به له الله سبحانه وتعالى في أن يقول
خذوا هذا أو اتركوا هذا.
(لِلْفُقَرَاءِ
الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ
فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ
هُمْ الصَّادِقُونَ (8))
ثم يحدد الطوائف التي تأخذ
منه وهم الفقراء من المهاجرين وهم الذين هاجروا مع النبي من قريش وخرجوا من ديارهم وخرجوا عن أموالهم
ابتغاء فضلاً من الله ورضوناً ونصرة لله وللرسول، وأولئك هم الصادقون فعلاً في
إيمانهم.
(وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا
الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا
يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى
أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ
فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (9))
ثم يعقب على إيمان أولئك
المهاجرين بعطفه على الأنصار الذين ناصروا الرسول والذين كانوا على إيمان حقيقي
قبل بعثة الرسول، وحين سمعوا ببعثة النبي
دعوه واستقبلوه وناصروه، هم يحبون من هاجر إليهم
ولا يجدون في صدروهم حاجة وهي الحالة التي تجعل الإنسان في شح مما يملك،
فهم لا يشعرون بتعلق في ممتلكاتهم لذا
يؤثرون على أنفسهم للمؤمنين المهاجرين،
حتى وإن كان بهم حاجة حقيقية لها، وذلك من فضل الله الذي يقذفه في القلوب أن يقي
الإنسان شح نفسه، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون.
(وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ
بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ
سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا
رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10))
ثم تتحدث الآية عن الذين
جاءوا من بعد هؤلاء في الإيمان، يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا
بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا إنك رؤوف رحيم، وهي فئة دخلت في
الإيمان بعد السابقون الأولون أي بعد المهاجرين وبعد الأنصار فكان الفضل الرباني
للمؤمنين بهذا التسلسل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق