الثلاثاء، 20 مارس 2018

سورة التكاثر

(أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8))
السورة الشريفة تذكر الإنسان بانحراف بوصلته عن هدفه الأسمى والأهم في هذه الحياة الدنيا، وتبين أن هذا هو ديدن البشرية الغافلة عن أصل مشروعها الرباني في الخلافة. فالتكاثر في الأموال والأولاد هو شغله الشاغل الذي يلهيه عن سبب خلقته وسبب استخلافه في هذه الأرض، يلهى ويلهى وإذا بالموت يفاجئه فيكون بين عشية وضحاها مقبورًا بين الموتى وقد ترك خلفه كل أحلام التكاثر وأوهام البقاء والزيادة في كل جزئية من جزئيات حياته. 
السورة تواجه الإنسان بحقيقة المقبرة التي تنتظره والتي ستلتهمه يوم ما وهو في غمرة السهو واللهو وأمنياته الكثيرة في الحياة الدنيا، وتؤكد للإنسانية اللاهية : " كلا سوف تعلمون" هذا العلم الذي لا تريدون أن تعملون على أساسه بشكل غيبي وتشغلكم عنه ملهيات البصر اليوم، ستعلمونه يوماً ما حقيقة ماثلة أمامكم، ثم تؤكد " ثم كلا سوف تعلمون " نعم تأكيداً على حدوث ذلك العلم ووقوع تلك الحقيقة. 
" كلا لو تعلمون علم اليقين " لو تعلمون أنكم زائرون للمقابر يوماً ما، أنكم ميتون وسترون ما لا ترونه اليوم، ستذهبون لعالم آخر غير الذي أنتم لاهون فيه اليوم،  ولا قيمة فيه لكل الأشياء التي سعيتم للتكاثر فيها والاستزادة منها، وأن الحقيقة شيء آخر وأن للحياة هدف آخر، لو يحصل لكم هذا العلم يقيناً لرأيتم جحيم الآخرة وأنتم في هذه الدنيا " لترون الجحيم"، ولكن علمكم بالآخرة والجحيم علم سطحي لا يؤثر في اتجاهاتكم وتوجهاتكم الآن بل أن ما يفتن أبصاركم أقوى تأثيراً منه. 
"ثم لترونها عين اليقين" وهذا ما سيحصل بعد هذه الدنيا، أن الإنسان يرى الجحيم عياناً يقينًا وذلك في الآخرة، والله سبحانه وتعالى يريدنا أن نعلم بها في هذا الدنيا علم اليقين أنها حقيقة واقعة لا مفر ولا مهرب منها، والسورة تطالبنا بصورة غير مباشرة أن نحصل على علم اليقين في الدنيا قبل أن نحصل على عين اليقين في الآخرة حيث لا ينفع الندم ولا التراجع ولافرصة ترتجى لتصحيح المسار.
" ثم لتسألن يومئذ عن النعيم" في ذلك العالم الأخروي وحين يرى الإنسان ذلك العالم اليقيني، حينها يسأل عن النعيم، كل تلك النعم التي أنفذها واستهلكها في التكاثر الدنيوي بدلاً من السعي الحثيث للآخرة وتنفيذ قواعد الخلافة الربانية. 
إذاً يجب أن نستثمر ونوظف هذه الطاقة وهذا العمر وهذه النعم الربانية في شتى مناحي الحياة من أجل شكر المنعم والخالق وهو الله سبحانه وتعالى، وليس من أجل استنفاذها في اللهو واللعب والذي سببه نسيان حقيقة نشأة الإنسان وأصل قدومه للحياة الدنيا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق