السبت، 19 يناير 2019

سورة الأنعام من آية 102 إلى 107

(ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)) 
" ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه" الله سبحانه وتعالى يؤكد على أنه خالق كل  شيء، والخالق مالك، والمالك له كامل الحرية والتصرف فيما يملك، وعلى المملوك أن يستجيب له، ولذا تكمل الآية بقولها "فاعبدوه". الآية  تنفي ضمنًا أن يكون هناك أي أحد آخر خلق أي جزء من هذا الكون، وهذا النفي من أجل أن لا تكون هناك طاعة لأحد غيره، والطاعة هي مصداق العبادة، وتوجيه الطاعة التامة لله هو مصداق الاعتراف بوحدانيته وألوهيته.
" وهو على كل شيء وكيل" هو الخالق لكل شيء وهو المتكفل بأرزاقهم ومعايشهم وهدايتهم أيضًا، ولتكن علاقتك بالله صحيحة وقوية، وابتغ عنده الرزق وتوكل عليه فهو الكافي لمن  توكل عليه.

(لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103)) 
"لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار" لا تستطيع أن تراه الأعين، لا يمكن لهذه العين الباصرة أن تراه وتدركه، لكنه موجود يرانا ويبصرنا لأنه البصير، ولكننا لا نراه ولا تدركه أبصارنا، ويجب على القلب الذي يرى بهذه العين الباصرة الأشياء المادية أن لا يغفل عن الأشياء الغيبية، فكل شيء يدل عليه وكل شيء يشير إليه، فلا تكونن عدم الرؤية البصرية فتنة، فيظن الإنسان أن الله غائب عنه وعن سلوكه وتصرفاته.
" وهو اللطيف الخبير" اللطف إشارة إلى أفعاله، الله وراء كل مشهد في الكون، ولكن العين لا تراه، والغافل لا يعلم أن مشيئته هي المتحكمة في كل شيء " إن ربي لطيف لما يشاء"، هو سبحانه يسيّر مشيئته دون أن يشعر بها الإنسان الغافل الذي لا يدرك حقيقة أفعال الله، وهو الخبير بالأشياء والمخلوقات وما يضمره الإنسان في صدره.

(قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104))
"قد جاءكم بصائر من ربكم" ماهي هذه البصائر؟ إنها آيات القرآن، بعد أن تحدث عن البصر الذي يرى النعم ويرى حقائق الكون فيدرك أن الله موجود وأنه لطيف، الآن هذه الآية تقول جاءكم بصائر وهي هذه الآيات، وعندما نقول أن كلام الله آية، فهي كأي آية كونية يدرك من وراءها الإنسان وجود الله، لا يمكن أن ندرك الله سبحانه وتعالى بالأبصار ولكن يمكن أن ندرك وجوده بالآيات الكونية والآيات القرآنية، وهذه الكلمات التي بين أيدينا هي آية تدل على الخالق تماماً كما تدل عليه الآيات الكونية من سماء وأرض ونجوم وبحار، وبما في الخلق من آيات. حقيقة هذه الآيات أنها بصائر، يبصرها الإنسان، هذه صفة الآيات المنزلة، فآيات القرآن ليست طلاسم أو كلمات مبهمة إنها آيات مبصرة.
" فمن أبصر فلنفسه" هذا فعل من؟ هذا فعل الإنسان، هو الذي يقرر أن يبصر الآيات أو يعمى عنها، الآية أمامه تري من يريد البصر أنها آية، تريه أنه لايمكن أن تكون إلا من عند الله، ولكن الإنسان هو الذي يقرر البصر، فإذا كانت الآية لا تشاهد بالنسبة للبعض، فالمشكلة ليست في الآية ولكن المشكلة في الإنسان لأنه لا يريد أن يبصرها، ومن أبصرها فلنفسه، أي لمصلحتها ولنجاتها وفوزها، وهذا يدل على أنه إذا قرر  أن يبصر الآيات فهذا لفوزه ولنجاته، أما إذا قرر أن يعمى عنها " ومن عمي فعليها " قوله تعالى "عليها" يدل على العاقبة الوخيمة، إذ عليه نكال هذا التغافل والتهاون، ونكال أنه اختار أن يعمي بصره عن الآيات  المبصرة.
" وما أنا عليكم بحفيظ " هذه الكلمة موجهة للنبي محمد (ص) على أن يبلغ هذه الآيات، وبعد أن يبلغها عليه أن يبلغ هذه الرسالة أنه ليس حفيظ على من يبلغهم، إن اختاروا أن يعموا عن آيات الله المبصرة فلا يستطيع أن يفعل لهم شيء، لأن مشكلتهم مع الله وليس مع شخصه الكريم، الرسول في هذه الآية يخاطب أمته في ذلك الزمان، ويخاطب كل الأمم في كل زمان ويقول لهم قد أبلغتكم رسالات ربي ولا أملك  لكم نفعًا ولا ضرا ويبقى دوركم أنتم مع هذه الآيات هل تبصرونها أو تعموا عنها. 

(وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105))
" وكذلك نصرف الآيات" تصريف الآيات يعني تبليغ الرسالة الربانية بأكثر من أسلوب وبأكثر من طريقة، فالصرف هو تغيير الاتجاه، وانصراف الإنسان عن شيء هو ابتعاده عنه، ولكن عندما تقول الآية أن الله صرّف الآيات، أي نوّع أساليب واتجاهات تناول نفس القضية، وهذا ما نلحظه في القرآن الكريم، حيث أن التوحيد والشرك هما المحور الأساسي لحديث القرآن الكريم ولكنه تناوله في أغلب السورة وبأكثر من أسلوب.
" وليقولوا درست " هذه الكلمة كانت توجه للنبي محمد (ص) وهو اتهام بأنه درس التوراة والإنجيل وأخذ منها العلوم والقصص فجاء ليسردها بطريقته ويدّعي أنها من عند الله لينال بذلك المكانة والرفعة، هكذا يتهمون النبي (ص)! ولكن الله سبحانه وتعالى يقول هذه بصائر، والطريقة المثلى للعلم بحقيقتها هي أن يبصر الإنسان بنفسه، أما الذي يرتاب ويشك في صدقها فإن شكه راجع لشكه في الله وارتيابه فيه وتهاونه في اتخاذ الآيات المبصرة في الكون وفي القرآن الكريم، والله سبحانه وتعالى يقول هنا: "وليقولوا درست"، فهذا لا يؤثر في قيمة هذه الآيات المبصرة، فليفعلوا ماشاءوا!
" ولنبينه لقوم يعلمون " الآيات بتصريفها تجعل أناس يرتابون في حقيقتها، أما المؤمنون الذين بلغهم العلم من عند الله، فهو تبيان لهم على صدقها وتبيين لحقائقها.

(اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ (106))
هنا يأمر الله نبيه محمد (ص) أن يتبع ما أوحي إليه، وفي هذا إشارة إلى أجواء المجادلة والتجاذب الذي يعيشها النبي محمد (ص)، فالرسائل الربانية بين يدي المجتمع الذي كان يعيشه (ص) ولكنه الآن لا يريد أن يصدق أن ما يدعو إليه النبي هو تمامًا ما يريده الله منهم، فقد ابتدعوا في أمر الله وابتعدوا عن حقيقته، وحين جاءهم الحق في القرآن الكريم عن طريق  النبي محمد أصروا على ما هم عليه ورفضوا أن يعودوا إلى الحقيقة المنصوص عليها في القرآن وفي كتبهم السماوية السابقة.
" اتبع ما يوحى إليك من ربك لا إله إلا هو" وعندما تقول الآية الشريفة لا إله فلأن الألوهية مقام، يعطيها الإنسان لمن يطيعه، فإذا خالف المؤمن أمر الله طاعة لمخلوق، فقد أعطاه مقام الألوهية دون أن يشعر، "وأعرض عن المشركين" من هم المشركون؟ هم الذين خالفوا أوامر ما أنزل الله بالكذب على الله، وحين أُمروا أن يتوبوا استكبروا وأصروا على ماهم عليه، والله يأمر نبيه أن يعرض عنهم، والإعراض عن الشيء هو صرف النظر عنه ومجانبته، وعليه فإن النبي يتجنب الجدال معهم لأنهم قوم يعاندون على الرغم من معرفتهم للحقيقة.

(وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (107))
" لو شاء الله ما أشركوا" اقتضت مشيئة الله أن يتركهم يفعلوا ما يشاءون، فلم ينزّل الله عليهم آية من السماء حتى تظل أعناقهم لها خاضعين، ولكنه سبحانه أعطاهم الحرية في أن يختاروا الإيمان أو البقاء على الشرك.
" وما جعلناك عليهم حفيظًا " وهذا خطاب للنبي محمد (ص) أنك لن تستطيع المحافظة على أحد منهم إن أراد الله أن يعذبه بسبب شركه واختياره لتكذيب آيات الله، "وما أنت عليهم بوكيل" الله سبحانه وتعالى يذكر النبي بحقيقة أنه ليس موكل بهدايتهم إنما هو بشير ونذير، حتى لا يذهب نفسه عليهم حسرات وهو يحاول في جلبهم للهدى وإقناعهم بما أنزل الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق