السبت، 20 أبريل 2019

سورة النساء من آية 116 إلى آية 126

(إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (116))
يحذرنا الله سبحانه وتعالى من الشرك أيما تحذير، على أن الذنوب قد تغفر إلا هذا الذنب فهو ذنب كبير، وهذه الآية هي مقدمة لما سيأتي عنه الحديث، فالآتي من الآيات يتحدث عن نوع من أنواع الشرك، وعندما تقول الآية " ومن يشرك  بالله فقد ضل ضلالاً بعيداً" ضل عن ما يريده الله، فقد يظن المشرك أنه ومن خلال هذا الشرك أنه يتقرب لله أو أنه يفعل ما يريده الله وما يقربه إلى الله، ولكنّ الحقيقة على العكس من ذلك، ولهذا فالآية تقول بأن الشرك ضلال بعيد. وستأتي الآية التالية لتبيّن ما قد يوقع الإنسان في هذا الشرك، وهو الدعاء. 

(إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَرِيداً (117))
من هم الذين يدعون؟ بالعودة إلى القرآن الكريم نفهم أن المقصودين هم قريش الذين أشركوا بالملائكة، هم الذين بيّنت الآيات الشريفة وفي أكثر من موضع بأنهم واقعون في وهم كبير وهو أن الملائكة شفعاء لله، وهم الذين يعتقدون أن الملائكة إناث الله تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرا، ولأنهم في هذا المقام فيمكن جعلهم واسطة للتقرب لله سبحانه وتعالى بدعاءهم. 

الآية تقول: " إن يدعون إلا إناثًا " فهي بهذا تعبّر عن أن قوم قريش لديهم أسماء خاصة لبعض الملائكة يدعونها في طقوس معينة من أجل التقرب بهم لله، والآية تقول أن دعاءهم ما هو إلا لأسماء إناث وليس لحقيقة ولا تصل إلى الملائكة. 
" وإن يدعون إلا شيطانًأ مريدًا " وفي هذا المقطع الرباني يتبين أن هذا الدعاء يصل إلى شياطين وليس إلى ملائكة،هم الذين يستقبلون هذه الأدعية وليسوا ملائكة، و قد وقعت قريش في فتنة وكذبة دعاء الملائكة، ووقعوا في استجابة الشيطان المارد.

(لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (118))
الله سبحانه وتعالى لعن الشيطان وأخرجه من الجنة بعد رفضه للسجود في حادثة السجود لآدم، ومن حينها تعهد أمام الله وقال بأنه سيتخذ من عباده نصيبًا مفروضًا، وكيف يكون للشيطان نصيب مفروض من عباد الله، هو نصيبه من الضالين من العباد، ومن يرفض أن يتوجه لله سيتوجه للشيطان فذاك هو نصيبه المفروض.

(وَلأضِلَّنَّهُمْ وَلأمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذْ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً (119))
" لأضلنهم" ويضيف الشيطان في تعهده لله بأنه سيضل عباده، والإضلال بالحيل وتغيير معالم الطريق، ويكون لشخص يريد الوصول إلى جهة ما، وماهي الوجهة في الدين؟ هي رضا الله، والشيطان هنا يتوعد بأن يقف لإضلال من يريدون السير للوصول إلى رضا الله والوصول إلى جنته، والشيطان يتعهد أمام الله بأنه سيأخذ ذلك النصيب المفروض من العباد إلى غير الطريق المستقيم، وهذا لا يكون إلا إذا استجاب له أولئك العباد.
" ولأمنينهم " الشيطان يتوعد بأسلوب آخر سيتعامل به لإغواء الناس الساعين لله والمريدين لطاعة الله، بأنه سيجعلهم يتمنون! يتمنون ماذا؟ وما أثر تلك الأمنية التي يتمناها المؤمن فتكون سببًا في انحرافه وإضلاله؟ يتمنون الجنة، هذا ما تبينه الآية (123) التالية.

(يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً (120))
يعدهم بأن لهم الجنة، ويمنيهم بها ، وما هذا إلا غرور وليس حقيقة، ونقف هنا لنسأل كيف يمكن للشيطان أن يوصل غروره ذلك للإنسان؟ الشيطان كائن غيبي، يتعامل مع الناس بأدوات، وكما أن الله سبحانه وتعالى غيب، فالشيطان غيب أيضًا، وكما أن لله سبحانه وتعالى كلمات وأولياء، كذلك للشيطان كلمات وأولياء، والشيطان يختبئ خلف أولياءه ولا نراه، والله يحذرنا من مكره ومن خداعه، والإنسان بطبيعته تواق للنجاة ولذلك يغتر بأي كلمة براقة تخطب لبه وتتماشى مع هواه، فيغتر من خلال كلمات الشيطان أو أولياءه.
"يمنيهم " أي يجعلهم يعتقدون بعقيدة، هذه العقيدة يسميها القرآن (أمنية)، لأنها لم تتنزل بها الكتب، ولأنها لا تحمل الحقيقة، هذا الباطل الذي يعتقده الإنسان في الآخرة يسميه القرآن أمنية، ولماذا؟ لأن الأمنية هي تقدير، وإذا كانت تتعلق بالمستقبل الذي فيه مصير الإنسان فإن لم يصب حقيقة ما يقضي به الله في ذلك المستقبل، وجرى على مقادير ما غرر به الشيطان فقد تمنى، والذي يتمنى لا يصيب ماتمناه لأنه أساء التقدير.

(أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصاً (121))
وهذه هي نتيجة من جرى وراء مقادير الغرور، ولم يتخذ الحقيقة التي أنزلها الله.

(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَار خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَعْدَ اللَّهِ حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ قِيلاً (122)) 
وفي المقابل فهناك  من قدر تقديرًا صحيحًا بناءًا على ما أنزل الله، ولم يركن للأمنيات الباطلة، وإنما عمل صالحًا على أساس أن الله سبحانه وتعالى سيتعامل مع الجميع بالعدل الذي جاءت به رسله ونصت على أساسه كتبه، أولئك الذي سيدخلهم الله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا، هذا هو الوعد الرباني الحقيقي أما غير ذلك فهو وعود الشيطان ووعود الغرور، هذا هو القول الصادق، ومن أصدق من الله قيلًا ومن أصدق من الله حديثًا، أما غير هذه الوعود فهي كاذبة ليس لها ميزان يوم القيامة.

( لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً (123)) 
هذه الآية الشريفة تبين أن الأمنيات هي عقيدة، وليست مجرد شعور أو رغبة، لأن الآية تستعرض العقيدة الصحيحة في تعامل الله مع البشر في يوم القيامة وهي أنه سبحانه سيجازي الإنسان حسب أعماله، إن كان سوءًا فسيلقى جزاءه، ولن يجد له من دون الله وليًا ولا نصيرًا، لن ينصره أحد، وما معنى ذلك؟ معناه أنه بأمنياته كان يعتقد أن هناك من سينصره، من سينقذه، وهذا هو خلاف قول الله.
" ليس بأمانيكم" لن تدخلوا الجنة بمعتقد الأمنيات، هذا المعتقد لا يدخل الجنة، لأن الله قدر وقضى أن يكون الحساب بالجزاء وليس بما تدعون وتقدرون وتعتقدون، " ولا أماني أهل الكتاب" وفي هذا إشارة إلى أن كلتا الأمتين وقعتا في نفس المشكلة، الأميين من أهل مكة، وكذلك أهل الكتاب، الأميين من أهل مكة في ظنهم أن الملائكة سينصرونهم، وأهل الكتاب باعتقادهم في نصرة عيسى بالنسبة للنصارى، وفي نصرة عزير بالنسبة لليهود.

(وَمَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً (124)) 
هذه الآية تعقب على سابقتها، بذكر التقدير الصحيح من عند الله، بأن دخول الجنة مبني على اساس عمل الصالحات وليس على أساس المعتقد الباطل، هؤلاء لا يظلمون في أعمالهم حتى بمقدار النقير، وهو الشيء اليسير الصغير جدًا، ويقال عن مأكل الطير بأنه منقار لأنه يلتقط الشيء الصغير، فهو ينقر من الحبوب أجزاء صغيرة ويلتقطها في منقاره ثم يبتلعها.

(وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً (125)) 
أهل الكتاب وأهل مكة على ملة إبراهيم، والآية تشير إلى انحرافهم عن هذه الملة، وتذكرهم بالحقيقة، والآية تبين أحسن دين يتبعه الإنسان، لأن أتباع ملة إبراهيم استحدثوا في الدين ماليس فيه فأصبحوا في غير الدين الحقيقي أو غير الدين الذي يدعون أنهم سائرون عليه.
" ومن أحسن دينًا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم" يوضح هذا المقطع الشريف ما هو  أحسن دين في شرطين، الأول هو إسلام الوجه لله بالإحسان، والثاني هو اتباع ملة إبراهيم. الإحسان يكون في العمل، فإسلام الوجه لله هو عمل والله يريد من هذا العمل أن يكون في الإحسان، إسلام الوجه، يعني سلامة التوجه، خلوه من أن يشاركه أحد، وقد تحدثت الآيات في بداية مقطعها عن الشرك في آية (116)، وتحدثت عن الدعاء لغير الله في الآية (117)، ومن خلال تلك المقدمة والحديث عن عقيدة الأمنيات، والتأكيد على أن الله يدخل الجنة بالعمل، فيكون إسلام الوجه لله، هو عدم التطلع لأي أمر خارج كتاب الله، والعمل بذلك الأمر، وبهذا يكون الشرط الثاني وهو  اتباع ملة إبراهيم هو تحصيل لذلك الحاصل في إسلام الوجه لله بالإحسان، فمن أسلم وأحسن، فقد تحقق له أنه اتبع ملة إبراهيم فعلًا، لأن ملة إبراهيم متضمنة في كتب الله السماوية، وإنما جاء بملة إبراهيم حتى يذكر من خالف هذه الملة أنه يدعي اتباعها ولكنه لا يفعل ذلك لأنه لا يلتزم بما أنزله الله.
" واتخذ الله إبراهيم خليلًا" من خلال إبراهيم (ع) جاء هذا الدين، وأنزل أوامره، ولهذا فإن هذا الرمز (إبراهيم) هو رمز الالتزام بكتب الله، وليس رمزًا لمخالفة ماجاءت به الكتب.

(وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً (126))
تذكير بملك الله، ومن يملك يحكم، ومن لا يملك فلا حكم له، ولا نفاذ لحكمه، والذين تم الاعتقاد بهم أنه يمكن دعائهم والاستنصار بهم في الدنيا والآخرة، لا يملكون شيء، فلن يكون لهم أي حكم لا في الدنيا ولا في الآخرة ولذلك فإن ما قدره الداعين لهم أنهم في أنهم سيكونون سببًا للنصرة في يوم القيامة، إنما ذلك أمنيات لا سند وقوة لها ولا يمكن الاعتماد عليها.
" وكان الله بكل شيء محيطًا" الله محيط بذنوب العباد، بسيئاتهم وبحسناتهم، وهو الذي سؤول له الحساب يوم القيامة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق