الجمعة، 24 يناير 2020

سورة التوبة من آية 123 إلى 129

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنْ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123)) 
الآية تخاطب المؤمنين أن قاتلوا الذين كفروا ممن هم معكم من الذين نافقوا وتعلمون أنهم حاربوكم، بدليل الآية التالية التي تقول ( وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا) هذا هو سلوكهم عندما كانت تنزل الآيات الشريفة، أن الآيات لم تبدلهم ولم تغير منهم شيء ولا من إيمانهم من شيء.
هؤلاء الذين تتحدث عنهم الآية هم مؤمنون مع المؤمنين وكانوا يستمعون للرسول وهو يتلوا عليهم الآيات ولكن لم يؤمنوا بالرسالة، هؤلاء هم مرضى القلوب الذين تحول مرضهم إلى نفاق، ونفاقهم تحول إلى عداوة ضد المؤمنين ومن ثم أمر الله سبحانه وتعالى المؤمنين أن يقاتلهم لأنهم واجهوا المؤمنين بالمحاربة.

(وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124)) 
هنا تتحدث الآية عن وضع هؤلاء المنافقون حين الرسالة من قبل، كان وضعهم إذا أنزلت سورة على النبي محمد (ص)، وحين يسمعون تلك السورة يتساءلون فيما بينهم هل ازداد إيمانكم بأن هذا حق بعد أن سمعتم هذه السورة؟ يتساءلون: من منكم زاد إيمانه بهذه الرسالة؟ وهذا دليل على أنهم لا يشعرون بما يقال ولا يشعرون بحقيقة هذه الرسالة. 


الله سبحانه وتعالى يحق حقيقة عن الذين آمنوا لعقد مقارنة، وهي أن الذين آمنوا يزدادون إيماناً، وهنا مؤشر على أن الإيمان يزداد مع الأيام ومع الرغبة في السير بثقة بالله، فهؤلاء المؤمنون يزدادون إيماناً مع الأيام، وهم يستبشرون بما أنزل الله.



في المقابل فإن الذين في قلوبهم مرض فيزدادون في التشكيك وعدم التصديق، وظلوا على هذا الحال حتى أتاهم الموت.


(وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125)) 
الآية تتحدث عن التشكيك على أنه رجس، والرجس هو الشيء السيء الفاسد وسط شيء صالح، كالثمرة الفاسدة في وسط الثمرات الصالحة، فهذه الثمرة الفاسدة تنقل هذا الفساد لبقية الثمرات، وبهذا يزداد الفساد في صندوق الثمرات، وهكذا هو التشكيك، هو رجس يزداد مع الأيام إذا لم يتم إصلاحه ومعالجته. 
وهنا كان منشأ الفئة التي أمرت الآية (123) بقتالها، أنهم كانوا مرضى قلوب، ثم أصبحوا منافقون ، حتى وصلوا إلى حالة من العداوة مع المؤمنين، واعتدوا على المؤمنين وقاتلوهم، لذا أمر القرآن بقتالهم.

(أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126))
الله سبحانه وتعالى يتحدث عن سنة يتعامل بها مع الإنسان الذي أعلن إيمانه بالرسالة أو بالقرآن الكريم، بأن الفتن أو المصائب التي تصيب الإنسان هي لهدف إيقاظه عن الأمر الذي هو فيه ومن أجل أن يؤوب إلى حقيقة الإيمان التي آمنوا به.
الآية تتحدث عن تكرار الفتن كل عام، وهذا يعني أنهم عاشوا على هذا الوضع أعوام عديدة، والله كان يفتنهم من أجل أن يتراجعوا عن سلوك مرض القلب. 

(وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (127))
الآية الشريفة تتحدث عن الفئة الكافرة التي من الذين يلون المؤمنين من الكفار في آية (123) والتي امرت بقتالهم، هنا الآية  تتحدث عن أفعالهم قبل أن يصلوا إلى هذا المستوى من العداوة تجاه الإيمان والمؤمنين، أنهم كانوا سابقاً يجالسونكم في مجالس الحق، ومجالس الرسول، هم كانوا يجلسون المؤمنين ويستمعون إلى القرآن، فإذا ما أنزلت سورة وهذه السورة ذكر فيها القتال أو أمر فيها بالإنفاق ينسحبون بصورة لا يشعر فيها أحد من المؤمنين الذين من حولهم. 
الآية تعبر عن طريقة انسحابهم المجلس، ينظر بعضهم إلى بعض بما يشير إلى أنهم يعرفون بعضهم البعض، وينظرون إلى بعضهم بعد نزول السورة لإعطاء إشارة الانسحاب بطريقة لا يشعر فيها أحد من المؤمنين " هل يراكم من أحد " ، هل رآكم أحد وأنتم تبتعدون عن المجلس؟ أي لا تجعلوا أحد يراكم أثناء هذا الانسحاب حتى لا يتبيّن وضعكم من التشكيك في هذه الرسالة، " ثم انصروا" . 

النتيجة لهذا الفعل هي أن الله سبحانه وتعالى "صرف الله قلوبهم" أي جعل قلوبهم تنصرف عن حقيقة ما أنزل الله وحقيقة ما يريده الله، صرف القلب هو افتتانه بشيء لا قيمة له، عن شيء أهم له كل القيمة العليا، " بأنهم قوم لا يفقهون" هذه حقيقتهم أنهم لا يفقهون كلام الله.

(لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128))


الآية تختم بالحديث عن حقيقة الرسول، وقالت بأن الرسول من أنفسكم، منكم وفيكم، عزيز عليه ما عنتم، أي يعز عليه أن تقعوا في العناء والعنت، وقد اشتملت السورة المباركة أوامر فيها شيء من المشقة، والتي أوجبت الأنفاق وأمرت بالنفير في سبيل الله إلى منطقة بعيدة في وقت الصيف والحر الشديد، وفي مثل هذه الظروف يحرص النبي على إيمان المؤمنين، وأن لا يقعوا في الخطأ مع الله في التهاون في أوامره أو أن يضعف أحد من المؤمنين في تنفيذ هذه الأوامر " بالمؤمنين رؤوف رحيم" وقد تبين من خلال المواقف المتعددة هذه الصفات في النبي أنه كان بهم رؤوفاً وكان بهم رحيماً، فاشتمل على صفات الرسول الذي ملأ الله سبحانه وتعالى بالرحمة والرأفة تجاه الآخرين وتجاه المؤمنين خاصة.

(فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِي اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)) 

خاتمة السورة هي دعاء رباني يأمر الله به النبي محمد (ص) في حال تولى أحد من المؤمنين وابتعد عن الإيمان على الرغم من حرص النبي على الجميع، فقل يا محمد : " حسبي الله لا إله إلا هو " يكفي أن يراك الله وأن الله هو المتكفل بأمرك لأنه لا إله إلا الله، ويكفي توكلك عليه ، " عليه توكلت وهو رب العرش العظيم" وقوله سبحانه وتعالى أنه رب العرش العظيم أي أنه المتحكم في شؤون الكون كله، فلا تظنن أن الأمر قد انفلت عن إرادة الله وسننه، فتوكل عليه وكفى. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق