(اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ
وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ
كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ
مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ
مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ
(20) سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ
السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ
فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)
مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي
كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22)
لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ
لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ
النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ
الْحَمِيدُ (24))
بعد أن وضعت الآيات السابقة العلاج لقسوة القلب تجاه الذكر وتجاه الحق الذي نزل من خلال التصدق والإنفاق، جاءت هذه الآيات لتبين حقيقة الدنيا والالتفات لها الذي يمنع المؤمن من أن يؤمن بالآيات وأن يتصدق تصديقًا بالآخرة، الدنيا هي الفتنة التي تحول بين المؤمن وبين هذا الإيمان.
تبين الآية (19) حقيقة الدنيا، أنها نبات يهيج ويرتفع ويمنوا مخضرًا أمام ناظريك فتبتهج به، لكنه سرعان ما يتحول إلى الإصفرار ثم يكون حطامًا وكأنه لم يكن، هكذا هو حال الإنفاق على الدنيا، كله يذهب فلا يبقى منه شيئًا، وعلى المؤمن أن يعلم أن الإنفاق على الدنيا التي هي لعب ولهو وزينة وتفاخر بتكاثر الأموال والأولاد، كله يذهب فلا يبقى منه شيء للإنسان، والذي يعجب بالدنيا ومافيها من مباهج هو الكافر وليس المؤمن، الكافر بالآخرة هو الذي ينفق أمواله لتذهب أدراج الرياح، لا يعرف أين يدخر أمواله ولا يعرف أين هي الحياة الباقية، أما المؤمن فيجب أن يعلم أن الدار الآخرة هي الحيوان، وما الحياة الدنيا إلا متاع قليل يغتر به الإنسان فلا يلبث حتى يجده قد اختفى وزال من أمام ناظريه.
إذا كنتم تعلمون هذه الحقيقة فاعملوا لها، وبدلًا من أن تتسابقوا في التكاثر في الأموال والأولاد وفي التفاخر بامتلاك أفضل الأثاث والمقتنيات، بدلًا من أن تتسابقوا في شيء سيفنى سريعًا، سابقوا إلى حياة أخرى سابقوا لأن تحصلوا على المغفرة من عند الله، سابقوا إلى جنة دائمة باقية عرضها كعرض السماء والأرض، هي أعلى وأكبر من كل ما في الدنيا من متاع زائل، كل ذلك أعد للذين آمنوا بالله ورسله، الذين صدقوا الرسل فيما يبلغون من كلمات الله، الذين يصدقون الرسل فيتصدقوا تصديقًا لدعوى الرسول ودعوى الله سبحانه وتعالى، ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم).
( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير * لكيلا تأسوا على مافاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور)،
أيها المؤمنون، الله لا يحب كل مختال فخور، المختال في هذا السياق الذي يذكر فيه المال هو المتباهي بما يملك، والفخور المتعالي المتعزز على غيره، الله لا يحب هؤلاء، فهل تريدون أن تكونوا منهم؟ وكيف نكون منهم؟ حين تظنون أنكم تملكون زمام الأمور بالمال، وأنكم تستطيعون أن تغيروا مجرى الأحداث بما فيها من مصائب وأحداث بقوة المال، لذا يدفعكم هذا الاعتقاد لشهوة التملك، وحين تمتلكون تقعون في الاختيال أمام الآخرين بما تملكون والفخر بالقوة والسلطة، ولقد أضافت الآية الشريفة صفة أخرى وهي البخل، الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد، إنهم يبخلون في سبيل الله حتى يتملكون المال، لأنهم هكذا يشعرون بالقوة، والحقيقة أن أموالهم هذه هي ملك الله لأن له ملك السماوات والأرض.
💥💥💥
الدنيا لعب يعني أنها ليست شيء حقيقي، وإنما شيء يزول بسرعة، فالشيء الجاد يبقى مع الإنسان على مدى بعيد، ولكن اللعب لايبقى معك. والدنيا لهو لأنها تلهو الإنسان وتخطف عقل الإنسان. وهذا يتوجب على الإنسان أن يلغي كل شيء يحتل قلبه من أجل أن لا يتمكن منه ويسحبه إلى الكبرياء والتفاخر.
لتحقيق كل أنواع التفاخر ولتحقيق العلو الحقيقي فهو في الآخرة، لأنها الحق ولأنها الجد الذي لا يزول، تعال إلى الآخرة وانظر إلى الأشكال المختلفة في التي يعرضها القرآن من أنواع التفاخر لأصحاب الجنة على أصحاب النار.
لابد من الإنسان أن يعمل من أجل إصلاح نفسه، بدل من دين الطاغوت إلى دين الله، المطلوب هو التواضع في الدنيا والحذر من التكبر على الناس بأي شيء من العلوم أو الممتلكات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق