( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ
لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ
وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الأَرْضَ
بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (17)
إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً
يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (18) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ
وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ
لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا
أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (19))
بعد أن نقلت الآيات السابقة الصورة النهائية الذي ستكون عليه مجموعة المؤمنين يوم القيامة وهو أنهم سينقسمون إلى مؤمنين بالله ورسوله حقًا ومنافقين، وأنهم سيُعزلوا يوم القيامة عن بعضهم البعض على أساس هذه الحقيقة، ففريق في الجنة وفريق في السعير، جاء المقطع التالي لذلك البيان إلى الواقع الحالي مرة أخرى، ليخاطب المؤمنين بعتاب خفي، ( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق)؟ إلى متى وتظل هذه القلوب قاسية تجاه هذا الذكر، إلى متى تظل هذه القلوب لا تستشعر قيمة الحق الذي نزل؟ ألا تخافون أن تكونوا كالذين من قبلكم ؟ ( ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون)، الذين من قبلكم أخذوا الكتاب لكنهم لم يخشعوا له، فهل تريدون أن تكرروا خطأهم؟
الآيات الشريفة تتحدث عن خشوع القلب، وأن هذه القلوب يجب أن تهبط من علياءها من كبرياءها لتذوب خوفًا من الله وحزناً على النفس من الهلكة، يجب على هذه القلوب أن تستشعر قيمة الحق الذي أنزله الله عليها، وأن هذا الحق له قيمة عالية وله أهمية كبرى، وأنه يجب أن يؤخذ بقوة، إلا سيكون حالهم كحال بقية الأمم التي سبقت، فما الفارق؟ ما الميزة التي تمتازون بها عن غيركم، قانون الله وسنة الله جارية في الخلق، فإن طال عليكم الأمد كما طال عليهم ستقسى قلوبكم وتقعون في الفسوق، ( فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون).
وبعد عرض المشكلة؟ هل تريدون حلًا لهذه القسوة؟ هل تريدون حلًا لهذه القلوب التي لم تستشعر هذا الحق، وتهاونت به واستهزأت به؟ فروا إلى الله ( اعلموا أن الله يحي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون)، الحل عند الله، والله يعطيكم الدواء حتى يحي هذه القلوب كما يحي الأرض البوار التي لا ينبت فيه الشجر، ولا يرى فيها إلا التصحر والجفاف، هو من يحيها، هو من ينبت فيها الزرع فتهتز وتربوا وتخضر وتنبت من كل زوج بهيج.
في هذه الآيات نقف عند محورية السورة مرة أخرى، فالحل هو أن تنفقوا من أموالكم حتى يحي الله هذه القلوب كما يحي الأرض الجرداء ( إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضًا حسنًا يضاعف لهم ولهم أجر كريم) مرة أخرى، قلة الإنفاق تؤدي إلى النفاق، والحل في أن ينفق المؤمنون مما جعلهم الله مستخلفين فيه، حتى يستنقذهم من قسوة القلوب ويؤتيهم أجر كريم يوم يلقونه يوم القيامة، ليكونوا من أصحاب النور، من الذين يكون باب الرحمة من جهتهم لا باب النار والنقمة.
هنا يكمن الإيمان الحقيقي بالله وبالرسول، والذين يقرضون الله قرضًا حسنًا هم الذي يؤمنون بالله ورسوله حقًا، وهؤلاء هم الصديقون والشهداء عند ربهم، هم الذين صدقوا بكلمات الله، وهم الذين يصلون إلى مرتبة الشهداء على هذه الرسالة، هؤلاء الذين يؤتيهم الله أجرهم وهؤلاء الذين يكون لهم نورهم يوم القيامة ليكونوا من أصحاب النور لا من أصحاب الظلام والعذاب، أما الذين كفروا وكذبوا بهذه الحقيقة وبهذا الأمر فأولئك أصحاب الجحيم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق