الجمعة، 1 سبتمبر 2017

سورة آل عمران من آية 1 إلى 9

(الم (1)) 
كلمة عند الله علمها ، من الممكن أن يكون المخاطب بالآية اسمه (ألم)، ألف ، لام ، ميم


(اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2)) 

تنفي الآية الشريفة الألوهية لغير الله، لا لأن المخاطب لا يعلم ذلك ولكن لكي يضع الألوهية بمقدارها الحقيقي بالنسبة لله سبحانه وتعالى، لأن بعض الذين أتوا الكتاب
لا يعطون الله حق قدره في هذه الألوهية، هو حي لا يموت حياة أبدية سرمدية ، وقيوم لأنه قائم على الحياة. ليس هناك صعوبة في أن نقنع أحد أن هناك خالق في هذا الكون ولكن الصعوبة في أن تقنعه أن هذا الخالق قيوم على هذا الكون في تدبير شؤونه،  والإيمان الحقيقي ليس في الاعتقاد أنه خالق وحسب بل وأن نؤمن أنه حي قيوم.

(نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ (3))
نزل عليك "مخاطباً النبي محمد (ص)"  الكتاب بالحق، أي بالحقائق الغيبية من أحكام وشرع. الحقيقة هي التي تجيب على التساؤلات الغيبية في ذهن الإنسان. ولقد أنزل سبحانه هذا الكتاب مصدقاً لما بين يديه، وما هو الشيء الذي بين يدي القرآن؟ هما التوراة والإنجيل الذين سبقاه في إنزال الهدى.
هناك فرق بين الإنزال والتنزيل الإنزال كامل تام في وقت واحد، أما التنزيل على فترة زمانية.
(مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (4))
" وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدىً للناس" التوراة والإنجيل سبقا القرآن الكريم في إنزال الهدى للناس، وهاهو سبحانه ينزل القرآن على النبي محمد "ص" بنفس النهج وعلى نفس المسار وبنفس القيم التي جاءت بها تلك الكتب السماوية. " وأنزل الفرقان " والفرقان هو الذي يفرق بين الحق والباطل، وهو متضمن في القرآن الكريم، لأنه يفرق بين الاختلافات التي تسببت بها الأهواء في الذين أنزلت عليهم الكتب السماوية السابقة. ثم تختتم الآية بالتهديد والوعيد " إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام"، لأن الأهواء نشأت بسبب نسيان الذكر والابتعاد عن حقائق الكتب السماوية، وأصبح الهوى ينازع الحقيقة الربانية، والآية تهدد من نزع إلى هواه ولم يسلم لما أنزله الله من حقائق، وذلك العذاب الشديد بخصوص عزة الله في كلماته، فكلمات الله عزيزة من عزة الله سبحانه وتعالى.  

(إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ (5))
لاشيء في هذه الحياة يمكنه أن ختفي عن الله، كل الأشياء ظاهرة بالنسبة له سبحانه، وعدم الخفاء هذا هو مقدمة لموضوع هام ويتعلق بما يخفى على الناس من تغيير الدين في السر من قبل أهل الكتاب. عندما يقول مدير شركة لموظفيه أنه يعلم بكل صغيرة وكبيرة تدور في أروقة شركته، وأنه لا يخفى عليه شيء، فهذا يحدث الرهبة في نفوس العاملين والموظفين في أن يخالفوا أوامره وتعليمات الشركة، وعندما توضع علامة في مكان ما أنه مراقب بكاميرات فهذا يجعل من الإنسان يتصرف بحذر شديد، والآية الشريفة تعطي ذلك الإحساس في التعامل مع الله وخصوصاً مع آياته المنزلة.

(هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6))
الله سبحانه وتعالى غيب لا نراه، ويتعامل معنا بالغيب ولكن نرى الآثار والمظاهر فنؤمن به، وهذه الآية تتحدث عن مظهر من المظاهر القوية لهذا الإله وهو الخلق، وهي في ذات الوقت تذكر بأنه هو الخالق الذي يصور الإنسان في الأرحام، وهو استكمال لتسبيح الله وتقديسه الذي بدأت به الآية السابقة، وهذا التسبيح يوصل الإنسان إلى معرفة نفسه ومن ثم تقدير الله حق قدره، فالإنسان ماهو إلا مخلوق يصوره الله سبحانه وتعالى وهو في رحم أمه كيف يشاء، والتصوير هو إعطاء الصورة التي سيخرج عليها الإنسان. وكثيراً ما ينسى الإنسان من هو؟ وماذا كان؟ وما أصله؟ فيخطئ في حساباته وتقديراته، وهذه الآية وأمثالها تذكّر الإنسان بحقيقته وبداياته. " لا إله إلا هو العزيز الحكيم" الله عزيز حكيم مهما ظهر الطغيان وتجبر المتجبرون في الأرض وتعالى الإنسان على خلقته وصنع الأنداد. 


(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (7)) 
الرسوخ في العلم هو الثبات عليه، وعدم التزحزح عنه بأقل الفتن، وذلك الرسوخ ليس نابعاً من العناد وإنما نابع من الإيمان الحقيقي بالكتاب.
من هذه الآية بدأ الحديث عن المشكلة في التعامل مع الكتاب، وهو تعامل انتقائي حسب الأهواء، ولكن كيف ذلك؟ الآية تصنف آيات الكتاب إلى آيات محكمات هن أم الكتاب، وآيات أخرى متشابهات. فما هي الآيات المحكمات؟ الإجابة في نفس الآية، هي الآيات التي لايمكن تأوليها لأنها لا تحمل أكثر من معنى، أما الآيات المتشابهات فلأنها حمالة أوجه يمكن تأويلها وحملها إلى حيث تريد الأهواء، والآية هنا تقول أن مرضى القلوب يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، والفتنة هي ما يشغل قلب الإنسان وإحساسه عن الحقيقة، والمصد عن أصل ما يراد من الآيات، فمريض القلب يبحث عن ما يثبت هواه من الكتاب، فيذهب لشيء يشبه ما يهواه، يبحث عن نص يمكن تأويله، والله سبحانه وتعالى يقول ما يعلم تأويله إلا الله، وإذا كان تأويل تلك الآيات عند الله فالمقصود أن تأويلها يؤخذ من ذات المتحدث وهو الله سبحانه وتعالى وليس من عند أحد خارج الكتاب. 
والمعنى السابق هو ذات معنى رد الراسخون في العلم حين يقولون : " آمنا به كل من عند ربنا " الكل: هو المحكم والمتشابه، من عند ربنا، وليس المتشابه فقط، لذا فنحن نأخذ هذا المتشابه برده إلى المحكم لا برده إلى التأويلات الشخصية الذاتية النابعة من الهوى. 
"وما يذكر إلا أولو الألباب" لا يرتدع عن هذا التعامل المقتطع والمجتزأ لآيات الله إلا أولوا الألباب الذين يبحثون عن الحقيقة لا ما تهواه الأنفس. 


(رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8))


الآية استكمال لقول الراسخون في العلم، فهم يدعون الله على الدوام بالثبات على الحق لأنهم يعلمون بأن ثباتهم على الحق ليس بذكاء منهم ولكنه بتوكلهم على الله وبهدايته إليهم، وبموهبة رحمة من لدنه سبحانه وتعالى.
(رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9)) 

واستكمالاً لدعاء الراسخون في العلم، في هذه الآية إيمان بيوم القيامة، هذا الإيمان هو الذي يحدد تعاملهم مع الله سبحانه وتعالى ومع كتابه، فهذا هو أساس منطلقهم مع الآيات هو خوفهم من ذلك اليوم، وليس من أجل شيء من متاع الدنيا وزينتها وزخرفها وعلوها الزائف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق