أولاً: ملخص
تعطي الآيات مثالاً على أسلوب الشيطان في إخراج الإنسان من ولاية الله، وتظهر النتيجة الحتمية لهذا الخروج. إذ أن الشيطان لا يأت للإنسان بالمعصية بشكل مباشر، لكنه يعمل الفتن ليخدعه ويقول له أني لك من الناصحين.
يأت الشيطان وأولياءه للمؤمن من باب الخير، فيقسمون له انهم له من الناصحين. ولن يهدأ لهم بال حتى يبعدوا المؤمنين عن آيات الله ويجعلوهم يحكمون بغير ما أنزل الله.
يغرر الشيطان وأولياءه بالإنسان،ويأمرونه بالمعصية ويقولون له إنك بهذا العمل ستكون من المقربين والمحببين، تماماً كما غرر بآدم وزوجه إذ قال لهما أنكما ستكونا ملكين أو تكونا من الخالدين.
الشجرة الخبيثة والملعونة في قصة آدم هي رمز لكل المحرمات في القرآن الكريم والكتب السماوية، واجتهاد الشيطان هو في أن يوقع الإنسان في الخطأ وفي الفتنة، وهو يسعي السعي الحثيث من أجل أن يرى الإنسان منزوع الكرامة يوم القيامة، وأن يعيده إلى أصل خلقته بلا كرامة وبلا لباس كبقية الحيوانات والمخلوقات كما كان قبل التكريم.
ولأن الحساب قد تأجل فلا يتم نزع لباس الإنسان في الدنيا حين يقع في الخطأ وبشكل مباشر كما فعل مع آدم، لكن ذلك سيكون للعاصين في يوم القيامة وفي النار.
ثانياً: الآيات
(وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ (10))
يمن الله سبحانه وتعالى على الإنسان بنعمه أن مكنه ووفر له سبل العيش على الأرض، فالشكر حق المنعم وحقيقة الشكر تتمثل في الطاعة والامتثال لأوامر المنعم على أساس شرعه المنزل وليس شرع غيره.
(وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ
صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ
إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ (11))
التسلسل الحقيقي لخلق الإنسان هو أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان ثم صوره، ثم قال للملائكة اسجدوا لآدم. ومن هنا يكون آدم منتخب من كل المخلوقين وقد خلق معهم. وهذا يتنافى مع عقيدة عالم الذر والتي تنص على أن الله خلق آدم أولاً ثم خلق بقية البشر كأرواح.
(قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ
تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ
وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12))
(قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ
تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنْ الصَّاغِرِينَ (13))
(قَالَ أَنظِرْنِي
إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14))
(قَالَ إِنَّكَ مِنْ الْمُنظَرِينَ (15))
(قَالَ
فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16))
(ثُمَّ
لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ
وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17))
هدف الشيطان هو أن لا يكون الإنسان شاكراً لربه، بمعنى أن يجعله ناسكاً ولكن بشرع غير الله.
(قَالَ اخْرُجْ
مِنْهَا مَذْءُوماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ
مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18))
(وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ
فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنْ
الظَّالِمِينَ (19))
(فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا
وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ
هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنْ
الْخَالِدِينَ (20))
استخدم الشيطان الوسوسة من أجل أن يسقط عن آدم وزوجه كرامة اللباس، فيبدو لهما بسبب المعصية ما ووري عنهما من سوآتهما،وقال الشيطان لهما في وسوسته: أن الأكل من هذه الشجرة يجعلكما في مصاف الملائكة، فقد كذب وأظهر معصية الأكل من الشجرة المحرمة وسيلة توصلهما إلى درجة عالية عند الله.
(وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنْ النَّاصِحِينَ (21))
من أجل أن يحكم الشيطان الكذبة التي كذبها عليهما، أظهر لهما النصح، وأقسم لهما أن حقيقة نيته التي يحملها داخل نفسه هي الخير.
(فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا
وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا
رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ
الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22))
دليل الشيطان للإنسان هو الغرور، إذ لا دليل ولا سلطان لديه فيما يأمر إلا أن يأتي للإنسان من باب الأمنيات ليعمي بصيرة قلبه فلا يسأل: "هل أمر الله بهذا ؟"، " هل يسمح الله بهذا؟".
وعندما ذاق آدم وزوجه من الشجرة خالفا أمر الله، وكانت نتيجة هذه المعصية مباشرة، فقد نزعت منهما كرامة اللباس، تماماً كما تمنى الشيطان. وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ، فبعد أن حرما من نعمة اللباس كان لزاماً أن يبدأ العناء وتبدأ الحركة من أجل ستر العورة.
وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة؟ وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين؟ سؤال يظهر قمة العدل عند الحق سبحانه وتعالى، فهو يسأل آدم وزوجه رغم أنه يعلم الحقيقة.
(قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا
وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ (23))
اعتراف آدم بالخطئية، وبظلمه لنفسه، وطلبه المغفرة كان سبباً في أن يقبل الله سبحانه وتعالى توبته على عكس الشيطان الذي استكبر على التوبة، ولو لم يغفر الله لآدم لكان من الخاسرين.
(قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ
وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24))
الهبوط من درجة الكرامة العلياً في الجنة، إلى أرض العناء والنصب من أجل توفير المطالب الأساسية للمعيشة.
(قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ
وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (25))
(يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً
يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ
آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26))
يخاطب الله سبحانه وتعالى أبناء آدم، ويذكرهم بنعمة اللباس التي ميزتهم عن بقية المخلوقات حتى لا يظن الإنسان أنه مختلف عن بقية المخلوقات من ذاته، بل بتكريم منه سبحانه وتعالى. فهذا اللباس هو آية من آيات الله، وعلى الإنسان أن يتذكرها ولا ينساها حتى لا ينسى نفسه، وينسى حقيقته ، ويخطئ في تقديراته.
ويذكره الله سبحانه أن لباس التقوى خير، إذ أن التقوى هي التي تديم عليه هذه النعمة إلى يوم القيامة، ففي يوم القيامة ينزع عن العاصين لباسهم وكرامتهم.
(يَا بَنِي آدَمَ لا
يَفْتِنَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ
يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ
هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ
أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (27))
نداء من الله سبحانه وتعالى إلى بني البشر، يحذرهم فيه من فتنة الشيطان الخفية، إذ أن الشيطان يسعى جاهداً أن ينزل الإنسان من كرامته التي أنعم الله بها عليه، تماماً بنفس الإسلوب الذي أخرج به أبويه من الجنة، وتماماً كما استطاع بحيله ومكائده أن ينزع عن آدم وزوجه لباسهما ليريهما سوآتهما، وكأن في ذلك شيء من التشفي للغل الذي يحمله الشيطان على آدم وذريته، فحين كانت المعصية كانت النتيجة أن نزع اللباس وبدى آدم وزوجه بلا كرامة.
إن الشيطان وقبيلته يرون بني آدم، ولكن البشر لا يرون الشياطين، وفي هذا الخفاء بلاء، إذ على بني البشر أن يكونوا في غاية الحذر من الوساوس الخفية التي تخرجهم بالتدريج عن أوامر الله، ومن لا يؤمن بالله، ولا يتمسك بكتابه ، سيكون الشيطان وليه دون أن يشعر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق