الجمعة، 7 نوفمبر 2014

سورة البقرة من آية 118 إلى آية 123

ملخص
الآيات من سورة البقرة من آية 118 إلى آية 123 تتحدث عن مشكلة طلب الآيات المعجزة من الرسول، والقرآن يريد من المؤمن أن يؤمن بالحقيقة لا بالآية المعجزة. تشير الآيات الشريفة إلى أن ما سمعه النبي محمد أثناء دعوته من طلب الآية هو نفسه الذي سمعه الأنبياء من قبله، وعندما يطلب المؤمن آية فهو يطلبها لكي يطمئن قلبه، لا لكي يختار الإيمان أي لا لكي يقرر أن يؤمن بها أو لا يؤمن بها.فلا يمكن على سبيل المثال أن تطلب آية لتتأكد أن الله هو الرب أو أن الله هو الذي يحكم في شرعه، وقد سألوا موسى أكبر من ذلك.
وتشير الآيات إلى نعمة النبوة والهدى التي من الله بها على أهل الكتاب، مشيرةً ضمناً إلى أن هذا الكتاب يحمل الهدى والحق فلا تغيروا في مضامينه حسب أهواءكم، وتتضح أهواء أهل الكتاب في كونهم وضعوا من التعاليم ما يجعلهم في مأمن من الحساب يوم القيامة وهذا  مخالف للكتاب، فلا أحد في مأمن ولا أحد فوق القانون.

الآيات
(وَقَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118))
الآية تعقيب على آية (113) "وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء"،وهي تشير إلى أن النبي جاء خلاف ما يقولون في الأحكام وليس كما هي سيرة أسلافهم.  
"وقال الذين لا يعلمون": كل من يطلب آية من الرسول فهو لا يعلم، لأن حكمة الله سبحانه وتعالى تدور في أن يؤمن المؤمن بالله بالغيب وليس بالشهادة.
"تشابهت قلوبهم": الإشارة إلى القلوب دلالة على أهمية هذه الجارحة، ومن يريد يتيقن في أمر ما فعليه أن يتأمله بقلبه، وتأكيداً نلحظ أن الآية لم تشر إلى العقول، فالحق محله القلب، وهو الذي يعقل، وميزان الأمور ميزان فطري حيث فطر الله النفس بالدين.
وتشابه مشاكل الأمم هو بسبب تشابه القلوب، والبشر الحاليون هم  أنفسهم السابقون ولا يتغيرون.وفي قوله سبحانه تشابهت قلوبهم آية، فهو تبيين لما في القلوب، وتشابه القلوب لا يعلمه إلا الله.  
قد بينا الآيات لقوم يوقنون: اليقين هو بلاغة في العلم.

(إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (119))
تأت هذه الآية بعد طلب الآية المعجزة التي تثبت صدق النبوة، وهي مرتبطة بالآية اللاحقة، وتخاطب النبي محمد(ص) بأنك لن تحاسب ولن تسأل عن الذين  كفروا يوم القيامة، وفي ذلك تخفيف للضغط النفسي على الرسول(ص).


(وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (120))

اختلف أهل الكتاب مع الرسول في الأحكام الشرعية والعقائد كما بينت الآيات السابقة وكما ستبين الآيات اللاحقة، وهنا تبيان لاستحالة الوصول إلى رضاهم إلا عندما يلغي الاختلاف ويسير على رأيهم و يتبع ملتهم، وأن ما يبدونه من جدال إنما هدفه هو شيء واحد أن يتخلى النبي عن ما يدعو إليه ويتبع رأيهم فقط، وفي الحديث عن الرضا دلالة على مكانة أهل الكتاب العلمية.
"قل إن هدى الله هو الهدى" هو الرد الرباني على عناد أهل الكتاب في اتباع الحق، وهو أن الهدى الحقيقي هو الوارد في الكتاب السماوي لا الذي يصيغونه بأهوائهم.
"ولئن اتبعت أهواءهم" عبر عن ملتهم بالأهواء لأنها لم تأت من كتبهم السماوية وإنما هي حصيلة لموروثاتهم. وتقول للنبي بأنك إذا اتبعت ملتهم بعد الذي جاءك من العلم في هذا القرآن فلن يكون لك من الله من ولي ولا نصير ولن تنتصر أبداً، في تعبير يدل على أهمية اتباع الحق وأن لا أحد فوق القانون.


(الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ (121))

"الذين أوتوا الكتاب": في القرآن الكريم تصنيفان هما الذين أوتوا الكتاب والذين أوتوا نصيباً من الكتاب.
"يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به" : التلاوة هي التتابع بمعنى شيء يتلو آخر، وفي هذا إشارة إلى عدم إلغاء آية أثناء القراءة، وهذا يعني أن الذين يتلونه حق تلاوته لا يغيرون فيه لا بزيادة ولا نقصان، وهؤلاء هم الذين تشير لهم الآية أنهم يؤمنون به، أما الذين كفروا به فإنهم يغيرون فيه حتى لا يتعارض مع أهواءهم، أو أنهم يتلونه ولايطبقونه فتكون تلاوتهم تلاوة سطحية لا تمس الواقع.

(يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (122))
"بني إسرائيل" هم  أبناء نبي الله يعقوب و هم أهل الكتاب، وهو خطاب موجه لليهود والنصارى، والله يذكرهم بنعمته عليهم "اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم" نعمة الله عليهم هي الهدى والكتاب والنبوة وهي من أكبر النعم على الإنسان. ويذكرهم بما فضلهم الله به "وأني فضلتكم  على العالمين" الفضل هو الزيادة بدون استحقاق، وهذا الفضل لا يعني أنهم الأقرب إلى الله سبحانه تعالى، والآية تطلب منهم في هذه عدم نسيان هذا المنن الربانية.

(وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ (123)).
وضع بني إسرائيل في اعتباراتهم معتقادات ما أنزل الله بها من سلطان وروجوا لها، فجعلتهم يشعرون بالأمان من حساب يوم القيامة دوناً عن غيرهم كما سبق (قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمْ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ).
لاتجزي نفس عن نفس: لايمكن لنفس أن تحمل شيئاً عن غيرها، وهذه مشكلة عند عموم البشر، بأنهم دائماً ما يلقون بحملهم على أحد آخر كالعالم، ويقولون : إذا  كان هذا العالم يفتي خطأً فلا علينا حساب، والآية تنفي ذلك وتقول إذا ضللت بسبب أحد فلن ينجيك ذلك من المحاسبة ولن يحمل وزرك أحد.
العدل : لا يؤخذ من دية ، فلايقبل على المحكوم عليه ما يعادل عمله.
لا تنفعها شفاعة : إذا كان هناك أحد يشفع لك فلا يعني أنك في منجاة، إذ لا اعتماد على الشفاعة كمصدر للخلاص.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق