السبت، 27 مارس 2021

سورة البقرة من آية 21 إلى آية 25

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[21]
الآية الكريمة تخاطب الناس، وكلمة الناس تشمل جميع المذاهب وجميع الطوائف التي اندرجت تحت ملة إبراهيم والذين أنزل الله إليهم كتابًا سماويًا، وتقول لهم: "اعبدوا الله"، وعبادة الله هي الإخلاص له في أخذ أحكام الشريعة،  فلا تزيغ القلوب لغير ما أنزل الله، وهي المشكلة التي تتحدث عنها الآيات السابقة حينما أشارت إلى مرضى القلوب 
.

فمرضى القلوب زاغت قلوبهم لغير ما أنزل الله واتبعوا الهوى وابتعدوا عن كتبهم السماوية، وجاءت رسالة القرآن لتعيد الناس إلى الأصل الذي ابتعدوا عنه، وحين تتحدث هذه الآية وتقول اعبدوا الله، تعني بالعودة إلى أحكامه، وعدم تأليه أحد لا يستحق الأولوهية وذلك حين يُعتبر من قبل من اتبعه أنه يملك مصدرًا للتشريع. 

الاية تقول "اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم" في إشارة إلى مشكلة تعظيم السلف السابق، فهذا التعظيم هو الذي يقود إلى الابتعاد عن كتاب الله والوقوع في مشكلة الشرك، فالذين من قبلكم مخلوقون مثلكم أيضًا، فلا تعظموهم وتخرجونهم من البشرية فتقعوا في عبادة غير الله. ثم تختم الآية بقوله تعالى : " لعلكم تتقون" التقوى هي الهدف لأنها هي التي تدخل الجنة، وهذه الكلمة تؤكد أن المقصودين بهذه الآيات هم مؤمنون في الأصل، ولكنهم ابتعدوا عن أصل موضوع التقوى بابتعادهم عن كلام الله. 

(الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ ۖ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[ 22]
هذه الآية لا تخبر عن شيء لا يعلمه الإنسان هي تذكره بما يؤمن به، ولكن المشكلة أن ذلك الذي يعلمه لا يؤثر عليه في واقعه الإيماني العملي، ولا يؤثر في اتخاذه الأحكام من الكتاب والتوكل على الله، ولكن الذي يؤثر عليه هي معتقداته الموروثة حيث تكون لها الغلبة في حكمه في الدين. 
النظر إلى الآيات على الأرض وفي السماء تزيد الإنسان يقينًا وتعلقًا بالله عز وجل وبكلماته وكتابه، والعكس صحيح، فمن لا ينظر هذا الملكوت ولا يتأمل فيه لا يشعر بعظمة إله الكون، وقلة شعوره بتلك العظمة تخرجه بأحكام وقرارات بعيدة عن ساحة الإيمان.
"الذي جعل الأرض فراشًا" هل تأملنا كيف أن هذه الأرض التي نسير عليها مفروشة ممهدة للحركة وسير الإنسان، هي لم تكن هكذا بالصدفة، هي مصنوعة بالخصوص من أجل أن يسير فيها الإنسان ويتنقل من نقطة إلى أخرى بيسر وسهولة.

" والسماء بناءً " هل رفعنا رؤوسنا للسماء لننظر كيف هي؟ كيف حفظ الله أطنان من الماء فيها لتنتقل من موقع إلى آخر، ثم " أنزل من السماء ماءً" حين تصل إلى نقطة يريد الله أن يغيثها بالماء لتحيا، " فأخرج به من الثمرات رزقًا لكم" النتيجة أن تخرج الأرض رزقًا للإنسان يأكل منه ويتمتع بخيراته المتنوعة، فسبحان الله.

" فلا تجعلوا لله أندادًا وأنتم تعلمون" كيف تجعلون لهذا الإله ندًا من البشر أو من الملائكة، كيف تقدسون أحدًا غيره، كيف تسمعون لكلام أحد غيره وتنزلونه منزلة الند لله، وأنتم تعلمون أن نعمه تحيطكم من فوقكم ومن أسفل منكم!

(وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [23]
" وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا" هذا الجزء من هذه الآية الكريمة يبيّن اتجاه الحديث في مقطع الآيات، فإذا كانت الآية (21) تقول: "يا أيها الناس اعبدوا ربكم" فإن هذه الآية تعطي المعنى المخصص لتلك العبادة من خلال عرض الحالة النقيضة لها، فالمطلوب عبادة الله من خلال الإيمان بهذا الكتاب وعدم الارتياب فيه، والذي يعني في مضمونه الأخذ بأحكامه وعدم الخروج عنها إلى أحكام أخرى، فهذا ما يحقق العبادة لله في شكلها ومضمونها، أما النقيض لتلك الحالة فهو الارتياب في كتاب الله، ولذا تأتي هذه الآية لتخاطب ذلك النقيض استكمالاً للحديث الذي بدأت به آية (21) السابقة، وهو استكمال  للحديث العام -أيضًا- الذي بدأته سورة البقرة من بدايتها حين قالت" ذلك الكتاب لا ريب فيه هدًى للمتقين".

ما تكشفه هذه الآية هو ما تم تعاطيه مع القرآن من قبل الناس الذين أنزل إليهم، فالمتقون أخذوا به بلا ارتياب، ومضوا في أوامره وأحكامه، أما الذين في قلوبهم زيغ وانحرفوا عن نهج الرسالات ارتابوا فيه، ولم يأخذوا به، بل استمروا على ما وجدوا عليه آباءهم، تخاطبهم الآية "وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا " هل أنتم في حالة من الارتياب في هذا القرآن، ولذا لم تأخذوا به؟ ولم تصدقوا أنه من عند الله؟ إن كانت هذه مشكلتكم : " فأتوا بسورة من مثلة ".

بالنظر إلى السياق، وكذلك إلى المخاطبين في الآية، يمكننا أن نوجه أفهامنا إلى هذه الآية ولهذا المقطع بالتحديد " فأتوا بسورة من مثله"، السياق حول شراء الضلالة بالهدى، والمخاطبون هم من أنزل الله إليهم كتب من قبل ولكنهم اشتروا بها ثمنًا قليلًا، فما هو الإتيان بسورة من مثله؟ 

الإتيان بسورة من مثل القرآن تعني الإتيان بسورة من التوراة أو الإنجيل، القرآن جاء مصدق للتوراة والإنجيل، وهذا يعني أن القرآن مثل التوراة ومثل الإنجيل، ولقد جاء النبي محمدٌ قائلًا إني مُصدقٌ لما بين يديَ من التوراة والإنجيل، وفي التوراة سور هي مثل ماجاء في القرآن، فإذا جاؤوا بسورة من مثل ماجاء به النبي محمد في القرآن، وتم تحقق التطابق في المعنى، فهو مصدقٌ بالفعل، فلم الارتياب في صدقه، إذ لا يوجد ما يسوغ التكذيب وهم في الأصل مؤمنون بالتوراة والإنجيل، إلا إذا كانوا يمؤمنون بها إيمان ادعاء لا حقيقة، وهذا ما كشفه نكرانهم لدعوة القرآن.

ولأن هذه العملية - عملية التحقق من تطابق سور القرآن والتوراة - هي بحاجة لمن يقوم بالتصديق عليها من أهل الكتب السماوية أنفسهم، لذا قالت الآية " وادعوا شهداءكم " الذين يشهدون على مدى تطابق القرآن مع التوراة، فالشهداء هم الذين لديهم علم الكتاب، وهم الذين يتحدثون عن التوراة للناس. ولأن دعوى المرتابين هي في اتجاه التكذيب، تكمل الاية بهذا النمط " وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين"، إي إن كنتم صادقين في دعواكم أن سور القرآن لا تتطابق مع سور التوراة.

ولأن هذا الأمر يخالف الحقيقة، استخدمت الآية عبارة " من دون الله" لأنها شهادة زور وباطل وليست شهادة حق، فإن فعلوها فهي شهادة تخالف أوامر الله لأنهم مأمورون بأن يشهدوا بالحق على دعوى القرآن وينصروه. 

استخدمت الآية تعبير " عبدنا " في إشارتها للنبي محمد، وهذا التعبير متوافق مع العبودية التي تحدثت عنها الآية السابقة آية (21)، فالعبودية الحقة هي التي تكون باتباع الكتب المنزلة، أما العبودية التي تكون بتطبيق أوامر من خارج الكتاب فهي عبودية مزيفة، والنبي محمد جاء بالحق وصدق به وعمل على أساسه، والآية تقول : أنتم تكذبون القرآن في نصه، وتكذبون الشخص المطبق له، وبالتالي فأنتم مكذبون لما أنزله الله عليكم من قبل لأن القرآن والنبي محمد مصدقان لما بين أيديهما من التوراة والإنجيل، وإن ادعيتم خلاف ذلك.


(فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ۖ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) 
[ 24]
فإن لم تفعلوا بأن تأتوا بالشهداء الذين يشهدون أن ما أُنزل على النبي محمد هو مختلف عما لديكم من الكتب السماوية، أي أنكم لم تتمكنوا من إثبات عدم التصديق، ولم تتمكنوا من إثبات كذب ادعاء النبي برسالته، " ولن تفعلوا" أي لن تتمكنوا حقيقة من ذلك، "فاتقوا النار "خافوا على أنفسكم من هذا الموقف، آمنوا اتقاء النار
التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين". هي نارٌ مستعرة تأخذ وقودها من الناس أنفسهم، شيء لا يتخيله عقل البشر، أن يتحول الإنسان إلى جمرة مشتعلة تحرق من يقترب منه ويظل على قيد الحياة، فأي عذاب يعيشه هذا الإنسان المشتعل؟! وكيف تتحول الحجارة إلى وقود للنار إلا إذا وصلت إلى صهارة مذابة، فأي درجة من العذاب هذه؟! ولماذا يوقع الإنسان نفسه في هذه الحفرة؟ لأنه تكبر على كلام الله بلا حجة.

(وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا ۙ قَالُوا هَٰذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ ۖ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ۖ وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ ۖ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[ 25]
"وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات" هذه  بشرى من عند الله ينقلها الرسول إلى الذين آمنوا بالقرآن وعملوا الصالحات لوجه الله، وانقادوا لأمره، لقد آمنوا أن النعم من عنده، والأمر له مصيرهم في يده، فالبشرى لهم "أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار" بعد هذه الدنيا، لأنهم آمنوا بكلام الله وقدروه.
لقد جاءت هذه الآية بعد الوعيد الذي يتهدد به الله الذين يعاندون في آيات الله ويكابرون عن الإيمان بها واتباعها، وتأتي هذه البشرى في ذات هذا السياق لمن آمن وعمل صالحًا.
 
" كلما رزقوا منها من ثمرة رزقًا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل" النعم التي يمنها عليهم الله عز وجل في الآخرة مشابهة لنعم الدنيا، ولكنها بمستوى أعلى وأكمل، "وأتوا به متشابهًا ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون" 


💥💥💥

تحدي مثل القرآن

التحدي الذي تفرضه آية مثل القرآن في سورة البقرة - الآية 23 - مبني على أساس عدم القدرة على إثبات النقيض، فاليهود والنصارى لم يستطيعوا إثبات أن القرآن مختلف عن التوراة والإنجيل، وهذا يلزمهم بالإيمان به.  

تحدثت السورة في بدايتها عن حقيقة التقوى "الذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك"، والذين كفروا من أهل الكتاب ادعوا أن النبي محمدا قد ادعاه، وأنه يخالف ما لديهم من كتب، وهذه الآية تطالبهم بإثبات هذا الادعاء الكاذب بالإتيان بالشهداء الذين يشهدون أن قول القرآن لاينطبق مع قول من هو مثله - التوراة -  فإن لم تفعلوا ذلك فاتقوا الله. هذا هو الوجه الأول للفهم.

الوجه الثاني للفهم، هو أنه إذا كان القرآن مطابق للتوراة، فما الذي يمنعكم من الإيمان به وهو مصدق لما معكم، الذي يمنعكم هو أنكم اتخذتم غير التوراة مصدرًا للدين، وهو سنة الآباء والأولين، وفي مقارنة الكتابين والتحقق من تطابقهما هو فضح لهم أنهم قد ابتعدوا عن الكتاب الأساسي الذي معهم وهو التوراة.

إذًا القرآن بهذا يفضح أهل الكتاب المخالفين، لإن اخراج التوراة من صندوقه وقراءته هو  يؤكد - 
بحد ذاته - صدق القرآن فيما يدعي من أحكام وشرائع نزلت فيه، وفي سورة البقرة كما سنعلم لاحقاً، وإذا كانوا يجادلون النبي على أنه يغيّر الأحكام، فالتوراة تناصر القرآن ولا تناصرهم.

وبهذا يمكننا أن نقرأ النص ضمن السياق، أن هناك مرضى قلوب اشتروا الضلالة بالهدى، أي اشتروا شرع غير الشرع من الكتاب السماوي، تقول لهم الآية ( اعبدوا الله ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون) ثم تقول لهم (وإن كنتم في ريب) فأتوا بسورة من مثله، فإذ لم تستطيعوا أن تفعلوا فاتقوا الله، أي إذا لم تتمكنوا من إثبات أن القرآن مدعًى باطل، ولم تستطيعوا إثبات أن القرآن مخالف للكتب التي سبقته، فمن المفترض أن تكون هذه نقطة البداية لإزالة الريب الذي في صدوركم، فلماذا ترتابون في شيء لا يخالف التوراة؟

وهو بهذه الآية يعقب على الآية بادئة السورة (لاريب فيه هدىً للمتقين)، فأحد أهم صفات المتقين أنهم يؤمنون بما سبق من الكتب السماوية، ولو كان أهل الكتاب يؤمنون بالتوراة حق الإيمان لما ارتابوا في القرآن! لمَا تبين أنه مصدق لها. ويمكننا أيضاً أن نعتبر هذه الآية منطلقاً لفهم الآية اللاحقة وهي (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) فأحد صور النسخ هو أن القرآن نسخة من التوراة.

من هذا يمكن أن نقول أنه على المؤمن أن يتحقق من إزالة الريب من قلبه في الأحكام والشرائع التي أنزلها الله في الكتاب، فعندما يبدأ المؤمن في تنفيذ ما أنزل الله، هل يبقى قلبه ثابتًا على ما رآه في الكتاب؟ أم أنه يرتاب ويميل إلى ما ورثه من آباءه؟! 

الأنداد 
الحديث عن الأنداد في مقطع هذه الآيات الكريمة له دلالة هامة، فتبديل الأحكام وتبديل كلام الله له علاقة وطيدة بالاعتقاد بالندية، والله عز وجل في آية الأنداد في سورة البقرة - آية 22 - يخاطب الذين ادعوا الإيمان بكتبهم السماوية - وانحرفوا عنها - خطابًا يحطم فيه الندية التي جُعلت لله في كلماته ويقول : كيف تتخذون من آباءكم أندادًا من دون الله؟ هم مخلوقون مثلكم، وهل منهم من هو قادرٌ على إنزال الماء وإخراج الطعام؟ فكيف إذًا تجعلونهم أندادًا في الحكم وفي الشرع وتذهبون بعيدًا عن كتبي المنزلة؟ 

إذًا هذه الآية تكمل الحديث في ذات الموضوع الذي بدأته الآيات السابقة والتي تحدثت فيه عن مرضى القلوب، وتتحدث للناس على أساس أنه إذا كنتم تؤمنون أن الله هو الذي خلقكم وخلق الذين من قبلكم فلم جعلتم الذين من قبلكم من آبائكم أندادًا؟ ولماذا كان زيغ قلوبكم إلى ما قالوا؟ وإلى ما ورثتموه عنهم؟ فهذا نوع من جعل الندية لله، وهذه ربوبية من  غير الله. 

هم بشر مثلكم، فلم تقدسونهم؟ وتعلون كلامهم على كلام الله؟ وتذهبون وراء أماني الشيطان التي دسها لكم في كلامهم المنقول؟ فإذا كان هدفكم التقوى فلن تنالوا التقوى حتى تعبدوا الله بإحكامه وبكتابه. فقوله في الآية السابقة (21) " لعلكم تتقون " تشير إلى وجود من يتعبدون لله بغير ما أنزل، والنتيجة أنهم لا يصلون إلى التقوى. وإن كنتم تهدفون للوصول للتقوى فسيروا على ولاية الله.


مرضى القلوب
مرضى القلوب هم فئة من فئات المنافقين، والذين لا يشعرون أنهم منافقون، فالمنافقون يخادعون المؤمنين لكنهم فئتان، فئة تعي ما تفعل من خداع ومكر، وفئة أخرى لا تعلم أنها منافقة إولئك هم مرضى القلوب. ومرض القلب هو درجة من درجات الإيمان الضعيفة، فمرضى القلوب فئة مؤمنة لم يدخل الايمان قلوبهم.
 
يعمل مرضى القلوب فى تضليل المؤمنين عن تعمد بإشاعة ما يؤمنون به من معتقدات تخالف كتاب الله، ولكي يجعلون الناس تتمسك بأقوالهم وعقيدتهم، هم يظنون أنهم يصلحون من خلال هذا العمل، لكنهم لا يشعرون أنهم يبثون دين الشيطان لا دين الله! وهذه الفئة المنافقة فئة خطيرة على الدين لما يحدثه مسعاهم في تغيير دين الله وفي افساده. 

لخطورة هذه الفئة، فقد أولاها القرآن الكريم اهتمامًا كبيرا، بل إن القرآن الكريم يتحدث عن الموضوع في كثير من السور، فهو موضوع أساسي في سورة البقرة، كما هو بين في بدايتها. لقد أشارت الآيات أن هذه الفئة استبدلت الهدى بالضلال (أولئك اللذين اشتروا الضلال بالهدى) استبدلت آيات الله بما وجدوا عليه آباءهم! وهم الذين تحدثت الآيات عنهم في مثَل الذي استوقد نارًا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم. لكنهم في الحقيقة فى ظلمات ويخادعون أنفسهم بأنهم يبصرون وأن لديهم  ضياء، وعندما ذهب الله بنور الكتاب من بين أيديهم انقطع مصدر النار واصبحوا فى ظلمات وضلال.



الحياة في الآخرة
الحياة في الآخرة ليست بعيدة عن حياة الإنسان في الدنيا، وإنما هي استكمال لها واستمرار على مافيها من نعم ومنن، فالحياة في الآخرة ستكون على نفس الأرض، وستخرج  الأرض نفس الثمرات والطيبات، وستكون فيها نفس اللحوم ونفس الملذات، وكما هو الحال في الدنيا فيها التباين في الأفراد من فقر وغنى، كذلك الآخرة فيها من ذلك التباين ولكن بالشيء الكبير.

فأما الفقر فهو فقر لم نره وفيه من الذل والهوان والعذاب مالم نسمع به ومالم نتخيله أو يخطر على بال بشر، فالفقراء هم أصحاب النار الذين يعيشون في مهانة وذل وعذاب وعطش وتعب وغم بأفظع الطرق التي يعلمها الإنسان والتي لا يعلمها، فإذا كان الموت يريح التعب في الدنيا فليس في النار موت وكذلك لا يوجد حياة. 

وأما الغني في الآخرة فغناه بدرجة لم يرها أحد من قبل، ولم يسمع عنها أحد ولا رأتها عين ولا في الأحلام، أو حتى الأمنيات ولا خيال الشعراء ولا في أوصاف الواصفين، أو أساطير أصحاب الكتب والسير. 

الجنه هى عيشة الملوك فأصحابها يأمرون أو يشيرون فقط  برغباتهم فتتحقق لهم بأفضل ما يتمنون، هي دار السلام والحب والموده والرضا والسعاده هى حياة الظل والبراد والراحة واللحم المشوي والثمرات والمتع المتنوعة، وفيها من النساء والولادان الذين خلقهم الله عز وجل لمتعة أهل الجنة فقط، والله عز وجل يبشر المؤمنين الذين يسارعون في مرضاته وتحقيق ما يأمر به في كتبه بهذا النعيم المقيم الذي لا زوال له ولا تبديل. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق