الجمعة، 5 فبراير 2021

سورة النساء من آية 36 إلى 42

( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ
 ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً (36))
هنا يأمر الله سبحانه وتعالى بأوامر محددة، مترابطة فيما بينها، وهي عبادة الله وعدم الشرك به، العبادة هي الطاعة، ولأن الله سبحانه وتعالى يقبل من المؤمن مطلق الطاعة، لذلك ثنى ذلك الأمر بالأمر "ولا تشركوا به شيئاً " أي لا تشرك مع الله في طاعته أحد غير الله، ثم بالوالدين إحسانا، وفي هذا دلالة على أن لا يكون للوالدين أثر في اختيار العبادة المطلقة لله سبحانه وتعالى، أو تأثيرهم في موضوع الشرك، فالآية تأمر بأن لا يكون لهما أي تأثير في العبودية المطلقة لله، ولكن لا يكونن ذلك سبب في أن يسيء الإنسان لوالديه، عليه أن يتعامل معهما بالإحسان حتى مع رفضه لطاعتهما في الشرك بالله.
ثم تأمر الآية بالإحسان إلى عدة أصناف توليها الآية أهمية في التعامل وهي ذي القربى أي الأقارب، ثم اليتامى والمساكين والجار ذي القربى أي الجار القريب في النسب، ثم الجار الجنب الذي لانسب بيني وبينه ولكنه جار، والصاحب بالجنب هو أي أحد تصاحبه في أي عمل أو أي صحبة، وابن السبيل هم أبناء الشارع الذين لا نسب ولا ملجأ لهم، وما ملكت أيمانكم: هم العمال الذين يقومون بأعمال لنا في الحياة. 
ثم تقول الآية إن الله لا يحب من كان مختالًا فخورًا، فالحديث عن البخل جاء بعد عن هذه الأصناف التي يحتاج بعضها إلى المعونة والمساعدة، وتربط الآية بين البخل والتفاخر، لأن البخيل هو الذي يحب التفاخر. 
المختال: هو الذي يصاب بالخيلاء، والخيلاء هو من الخيال، والخيال هو ما يتوهمه الإنسان من صورة في ذهنه عن شيء، وما هو الخيال، هو ما يتصوره الإنسان عن نفسه من أنه هو الغني وله مكانة عالية بين الناس، وهو يريد أن يبقي هذه المكانة، والله لا يحب من كان مختالًا فخورًا، يتفاخر بهذا الذي يتصوره عن نفسه، والذي يتعامل على أساسه مع الناس.
وتأتي هذه الآية في سورة النساء على أعقاب الحديث عن النساء كون موضوع البخل قد يكون بسبب تأثير أحد أفراد الأسرة، فقد يكون بسبب تأثير الزوجة على زوجها، أو بسبب منع الزوج لزوجته كي يمنعها من الإنفاق، أو قد يكون بسبب الابن لتأثيره على والديه، أو العكس.

(الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً (37)) 
قوله تعالى "الذين يبخلون" هي حالة كل مختال فخور، هذا المختال يبخل عن العطاء وفي هذا إشارة إلى شعوره بالمال وقد تكون لديه أموال، ويكتم ما لديه من أموال في وقت الحاجة لهذا المال من قبل المجتمع الإيماني ومن قبل الرسول، وتختم الآية بالقول "وأعتدنا للكافرين عذابًا مهينا" هذا الذي لا ينفق في وجوه الخير هو ليس بمؤمن، وهذا الذي تفاخر بهذه الأموال جزاءه الإهانة يوم القيامة نظير ذلك الخيلاء. نلاحظ أن البخل قد أودى بأصحابه إلى الكفر، والكفر أدى إلى هذه الخسارة وهي العذاب المهين. 

(وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَكُنْ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَاءَ قَرِيناً (38))
هم نفسهم المختالون الذين يكتمون مالديهم من أموال، ولكن هم ينفقون من جهة أخرى من أجل مراءاة الناس ومن أجل أن يمتدحهم الناس ويذكرونهم بالثناء.

(وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمْ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً (39))
الآية تعقب على الآية السابقة، تكمل وتوجه التساؤل حول الذين يبخلون ولاينفقون إلا رئاء الناس، الآية تتساءل: "ماذا عليهم لو آمنوا بالله" وكأنها تقول لن يضرهم شيء لو أنهم أنفقوا وأضافوا على ذلك الإنفاق إيمان بالله حتى يكون للعمل قيمة عند الله ويكونوا في مأمن وفائدة ونجاة مع الله سبحانه وتعالى. 
"وكان الله بهم عليما" عليم بما يفعلون، وعليم بتصرفات الإنسان الصغير منها والكبير، وهذا يحتاج إلى إيمان بالغيب، لا إيمان سطحي لا يحقق نتائج على أرض الواقع.

(إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً (40))
وهنا يؤكد الله سبحانه وتعالى بأن هذا الإنسان لن يُظلم إن هو أنفق في سبيل الله، لن يظلم حتى مثقال ذرة، فبدلاً من أن يوجه هذه الأموال المنفقة في الرياء، فليوجهها لله بإيمان، فهذا هو أحسن له، وبالتالي لن يخسر مثقال ذرة، فقد ينفق الإنسان الكثير من الأموال من أجل السمعة، ولا يحصل عليها، والله سبحانه وتعالى لن يظلمه حتى في مثقال الذرة، والله سبحانه و تعالى يضاعف هذا الإنفاق، فيعطي جزاء لهذا الإنفاق ويعطي أيضًا من لدنه أجرًا عظيما زيادة على ذلك الإنفاق.

(فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً (41))
ثم تأتي هذه الآية لتسأل عن حال من هم حول النبي يوم القيامة، وتقول : " فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد" ، هم أولئك الذين كانوا يبخلون الذين وصفتهم الآية السابقة، ثم تعطي حقيقة ما سيحدث  بالنسبة لهم، ويتبين حقيقة الشهادة التي تستهدفها الآية، وهي شهادة من قبل الذين أوتوا الكتاب على رسالة النبي محمد، كان مطلوب منهم شهادة في الدنيا على صدق دعوى النبي، ويوم القيامة يأت النبي ليشهد عليهم كتمانهم للحديث. 

(يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوْا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمْ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً (42))
في ذلك اليوم يود الذين كفروا الذين لم يستجيبوا لدعوة النبي، وعصوا أوامر الرسول الموجهة لهم، يودون حين يأت بك الله سبحانه وتعالى شهيد يوم القيامة عليهم يودون لو تسوى بهم الأرض، أي أن يتساوو بالأرض ويكونون ترابًا ولا يكتمون الله حديثًا، أي يتمنون لو أنهم لم يكتموا حديث الله، وذلك لأنهم كتموا حديث الله في الحياة الدنيا ولم يناصروا النبي محمد (ص) حين بلغ دعوته. 

💥💥💥


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق