الجمعة، 5 فبراير 2021

سوورة البقرة من آية 8 إلى آية 20

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ)
تبين الآية الكريمة أن هناك صنف من الناس يدّعي الإيمان بحقائق الغيب وبالآخرة لكنه في حقيقته لا يؤمن بها، وهنا يبرز لنا موضوع وهو التفريق بين الادعاء والصدق في الإيمان حيث إن الإيمان نوعان: الأول إيمان صادق والآخر كاذب، الإيمان الصادق هو الذي ينجح في فتن الإيمان، فالصابر والثابت على عمله وإيمانه والذي لم يتأثر في ذلك الإيمان ولم يتغير توجهه بعد الابتلاءات هو صادق فيما ادعى من إيمان، أما من تأثر عمله في الفتن فهو كاذب في إيمانه.
 الإيمان بالقول هو مجرد ادعاء، والادعاء لابد وأن يتبعه عمل يثبت ذلك الادعاء ،يقول الله سبحانه وتعالى في سورة العنكبوت (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) هكذا يحسب كثير من الناس أن الايمان بالقول، ولكن القرآن يؤكد أنه لابد وأن يعلم الله الصادقين فى القول والكاذبين من خلال اختبارهم في العمل. 


(يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ)
تكمل الآيات الكريمة الحديث عن الفئة التي ادّعت الإيمان ولكنها ليست مؤمنة في حقيقة الأمر فغيرت الشكل الخارجي ولم تبدّل الباطل تبديلًا جذريًا، والله سبحانه وتعالى يسمي هذه الحالة الشكلية خداع، والخداع هو إخفاء وإظهار، اظهار شكل حسن واخفاء سوء تحته، لينخدع السوء وراء الشكل الحسن فيُخدع الرائي، وفي موضوع الآية، هو محاولة المؤمن اخفاء نفاقه مع الكتاب فيبرز صورة الإيمان عن نفسه أمام الآخرين لكن دون أن يكون لتلك الصورة أي مضمون حقيقي في قلبه، وهذا المؤمن يتحرك في الدين من خلال الصبغة الخارجية التي تعطي صورة الإيمان لكن لا شأن لها في حقيقته وإيمانه بالآخرة. 

ما يلفت الإنتباه في الآية هو قوله تعالى "يخادعون الله" وهنا تفرض الآية حالةً من التعامل مع الله فيها حالة إيمانية مزيّفة يعبر عنها القرآن بأنها مخادعة لله، الله عز وجل يقول في هذا " وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون" هذا الإيمان الشكلي الذي يبيعونه للناس، ويظنون أنهم يستطيعون أن يتقربوا به إلى الله إنما هو حالة قشرية يخدعون بها أنفسهم ولا يصلون بها إلى مرضاة الله.

(فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)
"في قلوبهم مرض" من أجل فهم هذه العبارة يجب أن نعتبر أن القلب هو محطة لفهم حقائق الغيب ويجب أن تكون هذه المحطة سليمة حتى تتلقى الحقيقة وتتعامل على أساسها بصورة سليمة، وفي الآيات حالة إيمانية غير متكاملة، تكتفي بالشكليات اعتبرها القرآن مخادعة لله وللذين آمنوا، وتأتي هذه الآية لتبين أن هذا التعامل نابع من مرض القلب، وإذا كانت محطة الاستقبال ومعالجة الحقائق معطوبة فلن تنتج خيرا. ولقد استحقوا بهذا المرض أشد العقوبات وهو أن الله عز وجل زادهم مرضًا، وهذا ما يزيدهم مواصلة على ماهم عليه.
 
"ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون" وهنا تظهر صفة أخرى ذميمة وهي ا لكذب، وهي التي على أساسها استحقوا العذاب الأليم، لقد كذبوا على أنفسهم أنهم مؤمنين فصدقوا هذه الكذبة، وكذبوا على المؤمنين بالصورة  الشكلية التي فرضوها.


(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ) 
أحد مؤشرات مرض القلب هو انقلاب الصورة، فالمريض في قلبه يرى عمله عكس حقيقته، وهو يفسد ويظن أنه يصلح، والموضوع مخصص في الدين، فهذا الفساد الذي تتحدث عنه الآية في دين الله وأحكامه، هو ينشر الفساد بنشر ما يخالف كلام الله ويظن أنه إنما بذلك يسير في الصلاح.

(أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِنْ لَا يَشْعُرُونَ) 
تقر هذه الآية أن مرضى القلوب الذين لم يؤمنوا بالله ولا باليوم الآخر حق الإيمان ويدّعون الإيمان، ويتحركون لإصلاح المجتمعات إنما يسعون في فسادها ولا يسعون في الإصلاح، لكنهم لا يشعرون، مما يعني أن بعض الموازين التي يحتاجها المؤمن في كشف حقيقة مايقوم به من عمل هو الشعور الصحيح الذي يهبه القلب للإنسان.

(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ۗ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَٰكِنْ لَا يَعْلَمُونَ)
وهنا أحد أشكال انقلاب الصورة حيث أنهم يرون الناس سفهاء، ولكن الله يقول الحقيقة أنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون، والسفاهة هي عدم قدرة الإنسان على إدارة شؤون نفسه بسبب نقص في العقل، وهم يرون الناس الذين يؤمنون بصورة مباشرة وبسيطة سفهاء لأنهم يروون أنفسهم أكبر منهم في العقل والعلم، فلا ينبغي أن يكون ما يتوجه له عموم الناس صحيحًا! ولكن القرآن يبيّن أين هي السفاهة؟ السفاهة في الابتعاد عن ما أنزل الله كما سيأتي في الآيات اللاحقة (ومن يرغب عن  ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه)، وهؤلاء الناس آمنوا بما أنزل الله واتبعوه، ولكن مرضى القلوب لم يستجيبوا لكلام الله واعتبروا أن الإيمان لا يأتي بهذه البساطة التي يدركها هؤلاء البسطاء، بل يجب أن تصدر من علية القوم، وهذا الإحساس الطبقي هو الذي يؤكد أنهم هم السفهاء حسب التعريف القرآني.

(وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ)
وإذا لقوا الذين آمنوا بالرسالة والقرآن ادعوا الإيمان، وكأنهم لا يستطيعون الفرار من حقيقة هذا القرآن وصدقه ولكنهم في ذات الوقت لايستطيعون أن يذعنوا له ولا أن يقروا بما فيه، هذا جانب آخر من التناقضات الكبيرة التي تعيشها قلوبهم والتي جعلتهم من الكاذبين وأثرت على قلوبهم وأسقطتهم في مرض القلب، فمن جانب نفسي لا يستطيعون أن يتَنزلوا للتساوي مع بسطاء الناس وعمومهم، ومن جانب آخر لا يستطيعون أن يُذعنوا لحقائق القرآن بصورة كاملة، ولا الاقرار بكفرهم.

ثم إن الاية المباركة توضح أن ولايتهم الحقيقية للشياطين وليست للمؤمنين الحقيقيين، وتعبير الآية بالشياطين هو كشف رباني لحقيقة رفقائهم الذين يُسرّون إليهم بحقيقة ما في قلوبهم تجاه هذا القرآن وهذه الدعوة، وإن تواجدهم مع المؤمنين بالقرآن ماهو إلا نوع من أنواع الاستهزاء ليس أكثر، ولفظة "الاستهزاء" الواردة في الآية هي لفظة تكشف الحقيقة وليست بالضرورة هي ذات النص الملفوظ من قبلهم.

(اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)
عندما يذرهم الله سبحانه وتعالى يقترفون تلك المواقف مع القرآن ومع المؤمنين إنما هو استهزاء بهم، هم يظنون أنهم يستخفون بعقول المؤمنين، ولا يعلمون أن الله سبحانه وتعالى هو المدافع عن المؤمنين، وأن المكر الرباني يحيق بهم ليكونوا هم من يقعون في حالة الاستهزاء الحقيقية، لأن العبرة في الخواتيم وليس في هذه الحياة الدنيا الزائلة، لذا فعقابهم قاس جدًا وهو أن الله عز وجل يذرهم في طغيانهم يعمهون.

الطغيان هو الزيادة عن الحد، ولقد طغوا أمام حقائق القرآن وحقائق الإيمان وحقيقة الآخرة، وهذا الطغيان سببه التعالي الذي يسكن قلوبهم ورغبتهم الجامحة في العلو، هذا المرض العضال الذي يقود صاحبه دائماً للعمى فلا يرى ماهو حاله وماهو عليه. 

(أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ )
وتأتي هذه الآية الكريمة لتبين حقيقة ماهم فيه، لقد "اشتروا الضلالة" والشراء هو عملية استبدال، تدفع قيمة شيء لتأخذ السلعة التي ترغب فيها، وما هي سلعتهم التي يرغبون فيها؟ هي الضلال الذي وجدوا عليه أنفسهم، ولماذا تقول الآية "اشتروا"؟ لأنهم كما وجدوا أنفسهم على هذا الضلال، كان الكتاب بين أيديهم، ولكنهم انحازوا إلى هذا الضلال على حساب ما أنزل الله إليهم من بينات، وهذا الانحياز جعلهم يستبدلون أحكام الكتاب وعقائده بما وجدوا عليه أنفسهم، وهذا مايسميه القرآن "شراء" الضلال ، "بالهدى" الذي هو آيات الكتاب.

"فما ربحت تجارتهم" كلمة فيها من التوبيخ ما يجعل المؤمن يتحذّر من أن يقع  في مثل هذا الموقف، أو أن يتنازل عن كتاب الله وعن أحكامه، ثم تختم الآية بقولها : " وما كانوا مهتدين" في هذا إشارة إلى أن سعوا للهدى ولكنهم لم يصلوا إليه، فكانوا يظنون أنهم بالبقاء على ماوجدوا عليه أنفسهم وبتتبع الأثر سيصلون لذلك الهدى ولكنهم ضلوا.


(مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ)
تبدأ هذه الآية في توضيح الحالة التي هم عليها من خلال هذا التشبيه البليغ، فذهابهم عن كتاب الله وابتغاؤهم الهدى من مصدر آخر هو نفسه حال الذي سعى في إجلاء الظلام من خلال إيقاد النار حتى تضيء ماحوله، وحين أضاءت له انطفأت وبقي في الظلمات مرة أخرى، النور هو الكتاب، وعندما نتوجه للكتاب ينير لنا الحقيقة، أما عندما نوليه ظهورنا فإن الله يذهب بنوره عن القلوب فلا ترى إلا الظلام.

(صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ )
الصم هو الذي لا يسمع، البكم هو الذي لا يتكلم، العمي هو الذي لا يرى، فما حقيقة هذه الحالات مع كتاب الله، هي حالة من قلل من شأن كلام الله وابتعد عنه مبتغيًا الهدى من غيره، صم، لأنه لا يسمع ما يقال له من آيات، بكم لأنه لا يستطيع أن يتحدث بحقيقة ما أنزل الله، عمي لأنه لا يرى آيات الله.

(أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ ۚ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ)
وهنا مثال آخر، وهو أن مثل الذين ابتعدوا عن كتاب الله وعن آياته كمثل الذين يعيشون في قصف مرعب من السماء، وفيه تشبيه بمكان مظلم موحش لا نور فيه، تقصفه السماء بوابل من الأمطار الغزيرة، والرعد المخيف والبرق الخاطف، فيجعلون أصابعهم في آذانهم خوف سماع الصاعقة أن تصيبهم فتذهب بحياتهم.

فما حقيقة هذا المثل؟ هي حالة من يرى كتاب الله ببصيص من النور، وبشيء من السمع، وليس للبرق الخاطف مستمتع لمن يخوض في الظلمة، ما فائدة هذا البرق الخاطف لمن يريد أن يرى كامل الطريق؟ فمن يبتغي الهدى يريد أن يهتدي برؤية كامل الأفق، والبرق لا يعين على رؤيته الكاملة إلا لوقت خاطف، وهو ذات الحال مع من أولى كتاب الله ظهره فلا يرى الحقيقة إلا خاطفة ولا يكاد يرى كامل الحقيقة من الكتاب. 

يسمع لكلام الله فيخاف منه كما يخاف الذي يعيش في هذا الصيب من السماء، ولكنه بدلاً من أن يسلك السلوك الذي ينجيه من إنذار الله يضع اصبعيه في أذنيه لأنه لا يريد أن يسمع أكثر، ولا يريد أن يسير بهدي القرآن والكتاب.

(يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ ۖ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) 
يكاد ذلك البرق أن يذهب بأبصارهم ويعميهم بالكامل، ولكن الله شاء أن يجعل لهم شيئًا من بصيص النور، فكلما أضاء لهم ذلك البرق رأوا شيئًا من الطريق مشوا فيه، ويعاود البرق في الاختفاء فيظلم عليهم ويتوقفوا مرة أخرى، ولو شاء الله لذهب بكامل سمعهم وبكامل أبصارهم، ولكن شاء أن يجعل ذلك البصيص من السمع والبصر حجة لهم وزيادة في الحيرة والتوهان. 
هذا المثل مقياس لحالة من يبتعد عن كتاب الله ويعيش الحيرة لأنه لايرى فيه كامل الحقيقة، ولكنه يرى شيئًا يسيرًا منها، فيسير على ذلك، لكن سرعان ما تتوقف رؤيته، وهذه الحالة التي وضعه الله فيها هي جزاء لعمله حين اشترى الضلالة بالهدى، وحين طلب الهدى من غير ما أنزل الله.

💥💥💥

تتحدث هذه المجموعة من الآيات الكريمة عن أصحاب القلوب المريضة، والمرض هو خلل، والخلل هنا أصاب القلب فلم يعد يفكر بالصورة السليمة، وأصبحت قراراته تشبه الجنون الذي يودي بصاحبه للهلكة وهو يحسب أنه يحسن صنعًا، أما سبب المرض فهو زيغهم لما وجدوا عليه آباءهم، ولأنهم أحبوا الانتصار إلى طائفتهم وجعلوا الدين بالانتماء لتلك الطائفة، ورفضوا أن يكون الدين هو دين الله لكل الناس، ويعبر عن  ذلك قولهم " أنؤمن كما آمن السفهاء" فالسفاهة عندهم هو أن لا تنتمي إلى طائفتهم. يسفّهون الناس الذين ليسوا على طريقتهم، ويتعالون على بقية الناس ظنًا بخصوصيتهم عند الله.

هؤلاء المرضى يزعمون أنهم يؤمنون بالكتاب، ولكنهم في الحقيقة يؤمنون ببعض الكتاب وليس بكل الكتاب، والله عز وجل يريد من المؤمن أن يؤمن بكل الكتاب، أما رفضهم لهذا البعض فهو بسبب الهوى، وبسبب بقاؤهم على الموروث على حساب كلام الله، ولأنهم يتحاكمون لغير كتاب الله "الطاغوت"، وهذا التبعيض هو الذي يسميه القرآن شراء للضلالة بالهدى، لأنه استبدال لما أنزل الله إليهم بغيره.

حين أصيبوا بالمرض انقلبت الصورة لدينهم، فأصبحوا يرون الإصلاح فسادا، والفساد الذي يسيرون فيه إصلاح، وأصبحوا لا يشعرون بما يقومون به من إفساد، أما علاقتهم مع الكتاب فهي علاقة مضطربة غير ثابتة، يرون شيئًا من الحقيقة ثم يفرون منها ، ليلجأوا لغير الكتاب ويعيشون العمى على  الدوام.

هذه الفئة التي تتحدث عنها الآيات هي فئة حزب الشيطان الذين ابتعدوا عن الآيات وأصبحوا يتولون الشيطان، وقد سمح الله لهم أن يقيموا هذا الحزب على مبدأ الحرية في الاختيار. 

استخدمت سورة البقرة عبارة "من الناس" للتعبير عن المؤمنين مرضى القلوب في أكثر من موضع، هنا في هذه الآية وكذلك في آية تبديل القبلة لاحقًا "سيقول السفهاء من الناس "، وفي نهاية آيات الحج في نفس السورة  "ومن الناس من يعجبك قوله".  وهذه اﻵية تواصل الحديث عن الموضوع الذي بدأت به السورة  وهو أن الكتاب هدى للمتقين (المبيَنة صفاتهم)، وقد قسمت السورة في بدايتها الناس حسب إيمانهم بالكتاب إلى ثلاثة أصناف، الصنف الأول هو المؤمن بالكتاب المتقي، الصنف الثاني هو الكافر به، الصنف الثالث هو المدعي للإيمان وهو الذي ذكرته هذه اﻵية. ولخطورة هذا الصنف فقد أولته السورة حديثا مطولا حتى آية 29 ، وهذا الحديث المطول بسبب أهمية الالتفات إلى هذه المشكلة، ولأنها تعد مقدمة لما ستتناوله السورة فيما بعد من أحكام وعقائد انحرف عنها مرضى القلوب من أهل الكتاب.

الغاية من انزال الكتاب أن يقام الدين على أساسه، والكتاب لا يتغير مع كل رسول بل هو كتاب واحد ولكنه ينزل بلغات وكل كتاب يلحق السابق هو مهيمن عليه لأنه يحمل حقائق من تاريخ الرسالة التي لم يتحدث عنها الكتاب السابق. والكذب الذي تتحدث عنه الآيات عن مرضى القلوب هو أنهم ادعوا إيمانهم بالكتاب ولكن في التطبيق اتبعوا غيره. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق