(بسم الله الرحمن الرحيم)
﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ
مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ
الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5) ﴾ المسد
بدأت السورة بكلمة التب والتي تعني القطع والخسران والهلاك، "تبت يدا أبي لهب وتب" وهو وعيد إلهي لشخص أبي لهب في رد على مااقترفته يداه من سوء واعتداء للرسالة. ثم تتحدث الآية الثانية عن السبب الذي دفع به إلى أن يصل إلى موقع يعتدي فيه على الرسالة والرسول، هو المال "ما أغنى عنه ماله وماكسب" كثرة الأموال ووفرتها وتمكنه بها أفقدته ادراك حقيقة من هو! فاستغر وطغى ولم يعد يرى نفسه بحجمها الحقيقي، ولم يعد يعي مدى حجم اعتداءه هذا!
إن الاعتداء على الرسول يعني اعتداء على الرسالة، والاعتداء على الرسالة يعني التكبر والطغيان على المرسل، فمن ذا الذي يتجرأ على الطغيان والوقوف أمام الله؟ لقد فعل ما فعل، والله يمهله في هذه الدنيا لكن العقاب الإلهي جزاء فعله هذا ينتظره يوم القيامة.
" سيصلى نارًَا ذات لهب" لقد ذكرت هذه السورة اسم هذا الشخص أو كنيته التي يكني نفسه بها "أبي لهب" وهي من النوادر في القرآن، فقد ظن هذا الذي كنى نفسه بهذه الكنية أن الغلبة له، ويبدو أن هذا المسمى أكسبه الهيبة وأدخل الرعب في قلوب الذين من حوله، إلا أن الآية ترد أن اللهب الحقيقي ينتظره يوم القيامة ليرى أن القوة لله جميعًا، وأن الله شديد العقاب، ليرى حجمه الحقيقي ويعرف حجم ما اقترفت يداه.
"وامرأته حمالة الحطب" ثم تشرك السورة امرأته معه في العذاب الشديد الذي لا يمكنها الانفلات منه : " في جيدها حبل من مسد" مربوطة بحبال محكم الإغلاق في مواضع العنق واليدين، وذلك جزاء لها على ما اقترفته من اعتداء على الرسول والرسالة بحملها الحطب، في إشارة إلى طبيعة اعتداءها وتجاوزها مع الرسول والرسالة.
💥💥💥
لقد ذكرت السورة الكريمة هذا الشخص وامرأته كنموذج للطغيان في مواجهة رسالة الله، والله عز وجل يتوعد من خلال هذا النموذج كل متجبر على رسله ورسالاته وكتبه وآياته المنزلة. في السورة اشارة إلى أن مشكلة الإنسان مع رسالات الله ليست مشكلة فكرية وحسب، بل إن مشكلته في الأساس تكمن في طغيان نفسه والذي يظهر على أشكال من الاعتداءات المختلفة لإعاقة حركة الرسول والرسالة.
لقد ظن أبو لهب أن له الغلبة والعز والبقاء، لكن ما هي إلا أيام ثم غادر الحياة ليلقى جزاء طغيانه واغتراره بأمواله، لقد أسمى نفسه أبا لهب، وعلينا أن نعلم من هذا الموقف التي تُذكرنا به هذه السورة القصيرة أن هذه الأسماء التي توحي بالقوة في الدنيا ماهي إلا سراب يتبخر حين يلقى الإنسان ربه ويشاهد قدر نفسه الحقيقي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق