الجمعة، 10 يوليو 2020

سورة البقرة من آية 6 إلى 7

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (6))
الآية تتحدث عن فئة من الناس لن ينفعها الإنذار، تلك الفئة التي كفرت، ولكن كفرت بماذا؟ كفرت بالآيات المنزلة، وهي المشكلة التي عاشها أهل الكتاب الذين كان من الفترض أن يكونوا أول الناس تصديقًا بالقرآن الكريم، فقد رفضوا القرآن لأنهم  كانوا يعيشون الكفر بالتوراة والإنجيل وهم يظنون أنهم يؤمنون بها.
الرسول منذر فكيف يقول الله لن ينفع إنذاره؟ الإنذار لا ينفع مع الكفر بالآيات، لكنه ينفع مع الذين يخافون البعث وليس لهم من دون الله ولي ولا نصير، أولئك الذين يصدقون الآيات، والكفر هنا هو كفر خاص بالفئة التي لم تؤمن بآيات الله، وليس كفر إنكار لوجود الله، وإذا كان النبي محمد حامل لتلك الآيات وتلك الرسالة الربانية فلن يُقبل منه ما جاء به، ولن يتم تصديقه لكفرهم بالمادة المرسلة من الأصل.

الله سبحانه وتعالى يقول للنبي محمد (ص) "وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ" سورة الذاريات آية (55)، الذكرى لها وسيلة ووسيلتها الذكر أى الكتاب فمن كان مؤمنًا بالكتاب نفعته الذكرى ونفعه الإنذار، فإن صحت العقيدة في أساسها قبل نزول القرآن نفعت الذكرى وإن لم تصح العقيده فلن تنفع الذكرى ولا الإنذر.

اغلب استخدامات القرآن الكريم لكلمة "الكفر" هي في الكفر الخاص الذي يصدر من أناس يدّعون اتباعهم للكتب السماوية ولكنهم يكفرون ببعض ما أنزل الله، وهذا ما يعتبره القرآن كفر بالآيات والكفر بالآيات مؤداه كفر بالله. 

(خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7))
الختم هو ما نُنهي به أمرًا أو قضية ما، كما هو الحال في الختم الذي يوضع نهاية المكتوب فلا كلام ولا شيء يأتي من بعده، فلا يمكن التعقيب أو التعديل بعد الختم على أي شيء كتب قبل الختم، كذلك بالنسبة للقلوب التي ارتضت أن لا تأخذ بحقائق الكتاب وارتضت أن تبتعد عنه ولا تأخذ آيات الله بقوة، فمن كان هذا هو اتجاهه وكانت هذه نظرته للآيات فقد ختم الله على قلبه وسمعه، والسمع هو فوهة هذا القلب، والقلب هو آلة استقبال حقائق الرحمن، فإذا ختم الله على هتين الآلتين، فلا تتقبل أي  شيء جاء بعد الختم، فقد أغلقت المداخل وأوصدت الأبواب.

"وعلى أبصارهم غشاوة" الغشاوة هي ما يأتي على الشيء فيغطيه كما يغشى الليل النهار فإذا نحن مظلمون، والغشاوة على البصر هي غطاء يأتي على العين فلا تبصر بسببه، والمقصود هو أن البصيرة الداخلية لم تعد ترى الحقيقة بسبب ما تغشاها من كفر بالآيات، "ولهم عذاب عظيم" بسبب كفرهم هذا. ومن الذي تسبب لهم في هذا الختم وهذه الغشاوة؟ هو عدم تقديرهم لكلام الله وعدم استجابتهم له، ولو أنهم حين رأوا الحق تنازلوا عن كبريائهم ومالوا نحو الهدى لأزال الله عنهم هذا الختم ولرفع عنهم هذه الغشاوة.

والغشاوة على العين لا تحجب الرؤية كاملة، لكنها تتسبب في ضعفها، والغشاوة كلمه بليغه تخبر عن واقع المشرك الذي استبدل كلمات الله بغيرها، فهو يرى ويسمع ولكنه لا يستطيع أن يميّز حقيقة ما يسمع، ولا معنى ما يرى، لأنه لا يسمع ولا يرى بشكل جيد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق